النظر الصحيح الموصل إِلى الحق المبين، وكذلك أَمر المؤْمنين من قومك، فلهم من هداية الله إِلى صراطه المستقيم أَوفر نصيب، ومن الثبات على الحق شأْن عجيب.
وفي معنى تلك الآيات يقول الله تعالى: ﴿الم (١) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (٢) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ (١).
[(قصة الغرانيق وهذه الآيات)]
يذكر المفسرون أَثناءَ تفسيرهم قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ .... ﴾ الآيات - يذكرون - قصة تسمى قصة الغرانيق، وقد أَتعبوا أَنفسهم في نقل رواياتها وتأْويلها أَو تفنيدها، أَثناءَ تفسيرهم تلك الآيات.
ولكنا رأَينا أَن نفسرها على النحو الذي مر بيانه، بمعزل عن تلك القصة المفتراة، مراعين في تفسيرها نصوصها ومناسبة ما قبلها وما بعدها، وربطها بالجو الذي سيقت فيه، فإِن القرآن مترابط المبانى، ومتناسب المعانى، وما أَكثر الضعف في أَسباب النزول، وما أَفظع الوضع في بعضها، ومنه قصة الغرانيق التي قيل: إِنها سبب لنزول هذه الآيات.
وقد رأَينا أَن نذكر خلاصتها بمعزل عن تلك الآيات وشرحها، وأَن نفندها ونبين زيفها وفسادها، وإِليك البيان فيما يلى:
زعموا أَنه ﷺ كان يقرأُ سورة النجم بمحضر من قريش، فلما بلغ: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (١٩) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى﴾ أَلقى الشيطان عندها كلمات فقال: (وإِنَّهُنَّ الغرانيق العلا، وإِن شفاعتهن لترتجى) وكان ذلك من سجْع الشيطان وفتنته، فوقعت هاتان الجملتان موقع الرضا والاستحسان من المشركين، وتناقلتها أَلسنتهم، وتباشروا بها وقالوا: إن محمدا راجع إِلى دين قومه، فلما وصل الرسول إِلى قوله تعالى في آخر سورة النجم: ﴿فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا﴾ سجد وسجد كل من حضر من مسلم أَو مشرك، وفشت هذه الدسيسة في الناس حتى بلغت مهاجرى الحبشة فعادوا، وأَظهرها الشيطان،