السورة مكية إلاَّ الآيات الثلاث الأَخيرة على أَرجح الآراء، وهى تتناول النعم العديدة المتوالية من الله سبحانه على خلقه، ولهذا سميت أَيضًا سورة "النعم".
وإِن كثيرًا من البشر يقابلون هذه النعم بالجحود والكفران كما قال تعالى:"يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ" النحل (٨٣)
وأَهم مشتملاتها:
١ - أَنها أَشارت إِلى أَن عذاب الله واقع ماله من دافع، على من يستحقونه من الطغاة العُتاة، وإِن أَمهلهم الله حتى حين فليس معنى ذلك إِفلاتُهم من عقابه الأَليم إِذا هُمْ أَصروا على الكفر والعصيان، فإِن الله ليملى للظالم حتى إِذا أَخذه لم يُفْلِته.
ومن لطفه سبحانه بعباده أَنه ينذرهم قبل معالجتهم بالعذاب عن طريق تنزيل الملائكة بالوحى السماوى على من يصطفيهم من رسله ليبلغوه إِلى أَقوامهم:"لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا"(١).
٢ - أَنها بينت أَن الله سبحانه خلق السماوات والأَرض من العدم بالحق والحكمة، وخلق الإِنسان من نطفة من ماءٍ مهين ثم سوّاه إِنسانًا سويًّا، فإِذا هو مجادل مكابر مُقْبِلٌ على الخطإِ بعيدٌ عن الصواب، ومع هذا فالله سبحانه يغمره بإِحسانه وكرمه، فقد خلق له الأَنعام وسخرها له ينتفع بأَصوافها وأَوبارها وأَشعارها ويأْكل لحومها وما تدره من الأَلبان، وهيَّأَ له استخدام الدواب يمتطيها ويحمل عليها أَثقاله إِلى مكان بعيد، ومع أَن الله منَّ عليه بذلك هداه إِلى السبيل السوِىِّ المستقيم ليعبد الله حق عبادته، فبعث إِليه رسله؛ وبين له آياته.