بعد أَن فرغت الآيات الكريمة من مجادلة المشركين وتسفيه آرائهم، اتجهت إِلى مخاطبة المؤمنين بندائهم بما امتازوا به من تكريم، وتنبيههم إِلى أَن العمل الصالح هو ثمرة الإِيمان ونتيجته، وفي مقدمة الأَعمال الصالحة الصلاة لأَنها علامة الإِيمان وعماد الدين وقد عبر عنها بالركوع والسجود لأَنهما سمة الخشوع والخضوع اللذين هما قِوام الصلاة، فالمقصود بالأَمر بهما: الأَمرُ بإِقامة الصلاة بكل ما تشتمل عليه منهما ومن غيرهما ثم أَمرهم باستكمال موجبات الإِيمان فقال:
﴿وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾: أَي؛ اعبدوا خالقكم ومالككم ومربيكم باتباع أَوامره واجتناب نواهيه والاتجاه إِليه وحده بالعبادة والتقديس، فهو الرب المنعم المتفضل، وافعلوا ما قدرتم عليه من الخير، لتنالوا الفوز والفلاح في الدنيا والآخرة.
وبما أَن الإِسلام له أَعداءٌ يتربصون به، فلذا أَمرهم الله بالجهاد في سبيله فقال:
﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ﴾: والجهاد في الإِسلام؛ يشمل مقاومة أَعدائه الواقفين في سبيل نشره المعادين ليه، كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ (١). كما يشمل مقاومة نزغات النفس وشهواتها وأَهوائها، روى البيهقى والخطيب عن جابر: أَن النبي ﷺ قفل من إِحدى الغزوات فقال لأَصحابه: "قَدِمتُم خير مقدم، وقدِمْتُم من الجهاد الأَصغر إلى الجهاد الأَكبر".
وفسر الجهاد: الأَكبر بأَنه مجاهدة العبد هواه؛ وأَفضل الجهاد: مقاومة الظلم، قال ﷺ:(أَفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر) أَخرجه ابن ماجه، والخطيب، وأَحمد والطبرانى، والبيهقى.