لا يزال الحديث موصولا عن مساوئ اليهود منذ عهد بعيد، فقد بينت هذه الآية الكريمة: أَن جماعة صالحة من أَهل القرية التي كانت حاضرة البحر ومشرفة عليه، دأَبوا على وعظ أَهلها وتذكيرهم بوجوب تنفيذ أَوامر الله والانتهاءِ عن محارمه، وفي جملة ذلك الصيد في يوم السبت الذي جعله الله يوم عبادة، وحرم الاشتغال فيه بغير العبادة من صيد وسواه، كما بَيَّنَتْ أَن جماعة أُخرى من أَهل الصلاح رأَوا أَن لا فائدة من وعظ أولئك القوم المُصِرِّين على المخالفة والعصيان فقالوا للواعظين: لماذا تشتغلون بوعظ هؤلاءِ المقيمين
على العصيان، الذين سيهلكهم الله ويستأْصلهم بذنوبهم، أو يعذبهم عذابًا شديدًا دون استئصال. يريدون بمقالهم هذا أَن يكف الواعظون عن وعظهم لعدم فائدته في قومهم فيجيبهم أولئك الوعاظ قائلين: إِنما نواصل وعظهم اعتذارًا إِلى الله ورجاء أَن يتقى قومنا ربهم بتوالى وعظهم، يقصدون أَنهم باستمرارهم على وعظ أولئك المعرضين، يهدفون إِلى تحقيق غرضين، (أَولهما): أَن يقدموا معذرة إِلى الله حتى لا ينسبهم إلى نوع من التفريط في النهي عن المنكر، فإن الله أَخذ العهد على أَهل العلم أَن يعلموا الناس وأَن لا يقنطوا من عدم الاستجابة السريعة إِلى تعليمهم وإِرشادهم (وثانيهما): أَن يستجيب الناس إِلى الوعظ فكم من عاص تاب إِلى الله بعد حين من وعظه.
والموعظة: العذر الذي يُتَنصَّل به من الذنب.
وهذا التقاول الذي حدث، إِما أَن يكون بين فريقين من الوعاظ، كأَنه قال بعضهم لبعض: لماذا نشتغل بما لا يفيد، وإِما أَن يكون بين فريق صالح من الأُمة لم يرضهم رفض قومهم للوعظ، وبين طائفة الوعاظ إِشفاقًا عليهم من جهدهم الضائع في أُمتهم، كأَنهم يقولون لهم: كفوا عن وعظهم فإِنه عدم الفائدة.