للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[التفسير]

٤٨ - ﴿لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ﴾:

أي لقد رغبوا في فتنة المسلمين من قبل هذه الغزوة، فقد أَرادوا تشتيت أَصحابك أَيها الرسول وتفريقهم من حولك، وكان ذلك يوم أُحد حين انصرف رأْس المنافقين عبد الله بن أُبى بن سلول من الطريق، بعد أَن خرج مع الجيش للمشاركة في غزوة أُحد يريد بذلك أَن تضعف قلوب المجاهدين، وتتحلل عزائهم برجوعه ومن تبعه من المنافقين، وقد كرروا هذه المأْساة في غزوة تبوك، فقد تخلف ابن سلول بمن معه بعد خروج النبي إِليها مع أَصحابه، ووصولهم إِلى ذى جُدَّةٍ أسفل من ثنية الوداع، وقد كانت لهم في الفتنة صفحات سوداءُ يطول الحديث عنها، وحسبنا ما ذكرنا.

﴿وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَارِهُونَ﴾:

أَي: وقلبوا من أَجلك الأُمور ورددوها، ليدبروا لك الحيل والمكايد، وعرضوا الآراءَ المختلفة لإِبطال أَمرك، حتى ظهر الحق على الباطل وانتصر عليه، على الرغم منهم وهم لذلك كارهون.

وهذه الآية والتي قبلها لتسلية الرسول والمؤْمنين عن تخلف المتخلفين وبيان ما ثبطهم الله لأَجله، وهتك أَستارهم وإِزاحة أَعذارهم.

٤٩ - ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا في الْفِتْنَةِ سَقَطُوا﴾:

أَي ومن هؤلاءِ المنافقين من يقول لك أَيها الرسول: ائذن لي في التخلف عن الغزوة ولا توقعنى في الفتنة - أَي المعصية - إِذا تخلفتُ بدون إِذنك (١)، متظاهرًا بالحرص على رضاه، وهو خبيث النية سئُ الطوية - أَلا فليعلم هو وأَمثاله أَنهم في الفتنة الكاملة المهلكة سقطوا، وذلك بعقدهم العزيمة على التخلف بلا عذر، والجراءَة على الاستئذان بهذه الطريقة الشنيعة والتماسهم الأَعذار الكاذبة، ونفاقهم وعدم إِخلاصهم.


(١) ومن العلماء من فسر "ولا تفتنى" بمعنى ولا تلقنى في الهلكة فإنى إن خرجت هلك مالى وعيالى لعدم من يقوم بمصالحهم.
وقيل: أن الجد بن قيس قال للرسول: قد علمت الأنصار أنى مشتهر بالنساء فلا تفتنى ببنات الأصفر - يعني الروم - ولكن أعينك بمالى فاتركنى: فنزلت الآية.