سورة المدثر متفقة مع سورة المزمل التي قبلها في الافتتاح بنداءِ النبي ﷺ في كل منهما، كما بدئت سورة المزمل بالأَمر بقيام الليل وهو عبادة خاصة، وبُدِئت سورة المدثر بالأَمر بالإِنذار وفيه من التكميل ما فيه.
أَول ما نزل من القرآن:
قال الآلوسي: أَخرج أَحمد والبخاري ومسلم وغيرهم عن يحيى بن أَبي كثير قال: سأَلت أَبا سلمة بن عبد الرحمن عن أَول ما نزل من القرآن فقال: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ). قلت: يقولون: (اقْرَأ باسْم رِبَّكَ الَّذِي خَلَقَ). قال أَبو سلمة: سأَلت جابر بن عبد الله عن ذلك وقلت له مثل ما قلت فقال جابر: لا أُحدثك إِلاَّ ما حدثنا رسول الله ﷺ قال: جاورت بحراء فلما قضيت جواري هبطت فُنودِيت فنظرت عن يميني فلم أَر شيئًا، ونظرت عن شمالي فلم أَر شيئًا، ونظرت خلفي فلم أَر شيئًا، فرفعت رأَسي فإِذا الملك الذي جاءني بحراء جالس علي كرسي بين السماءِ والأَرض فجئثت (١) منه رعبًا، فرجعت فقلت: دثروني، فنزلت:(يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ) وظاهر ذلك الخبر أَن سورة (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) نزلت قبل سورة (اقْرَأ باسْم رِبَّكَ الَّذِي خَلَقَ).
والْمَرْوي في الصحيحين وغيرهما عن عائشة أَنَّ قوله تعالى:(اقْرَأ باسْم رِبَّكَ الَّذِي خَلَقَ) أَول من نزل من القرآن، وهو الذي ذهب إِليه أَكثر الأَئمة، حتى قال بعضهم: هو الصحيح، ولصحة الخبرين احتاجوا للجواب للتوفيق بينهما فذكر (صاحب الإتقان): خمسة أَجوبة منها:
١ - أَن السؤال في حديث جابر كان عن نزول سورة كاملة، فَتبَيَّن أَن سورة المدثر نزلت بتمامها قبل تمام سورة اقرأْ، فإِن أَول ما نزل منها صدرها: من أَول السورة إِلى قوله تعالى: (عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ).