بَيَّن الله في الآيات السابقة أَن المنافقين ﴿يَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ﴾ عن قبول التحاكم إِلى الرسول ﷺ ووصفهم بقوله: ﴿وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ﴾ إِلى آخر ما جاء فيهم من ذم أحوالهم، وجاءت هذه الآية لتبين أنهم لما علموا بنزول هذه الآيات فيهم جاءوا إِلى رسول الله ﷺ ليبرئوا أنفسهم من النفاق والكذب في أَيمانهم ويعلنوا طاعتهم، وأقسموا على أنه ﷺ لو أمرهم أَن يخرجوا من أموالهم وديارهم لفعلوا. (١)
والمعنى: وأقسم المنافقون مبالغين في إِقسامهم جهد طاقتهم، ليبرئوا أنفسهم من النفاق وعدم الطاعة والانقياد لحكم الرسول ﷺ، قائلين: والله لئن أمرتنا يا رسول الله بالخروج من ديارنا وأموالنا لنفذنا أمرك، وخرجنا منها طاعة لأمرك، فرد الله عليهم قائلا لرسوله:
﴿قُلْ لَا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ أَي: قل لهم أيها الرسول: لا تقسموا على طاعة الله ورسوله، فطاعتكم طاعة معروفة للناس، فهي طاعة باللسان، وليست نابعة من قلوبكم، أن الله خبير بما يصدر عنكم من أعمال النفاق الضارة بالإسلام وبالمسلمين، فمجازيكم عليها أشد الجزاء.
قل لهم أيها الرسول: أطيعوا الله ورسوله مخلصين غير منافقين، فإن تتولوا وتعرضوا عما كلفتم به من الطاعة فما على الرسول سوى تبليغ الرسالة التي حمله الله تعالى أمر تبليغها،
(١) وفسر بعضهم الخروج في الآية بالخروج الجهاد، ولكنه غير مناسب لسياق الآيات قبلها.