للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معهم كل ذلك نفعًا، ولم يؤث ثمرا، حكى كل هذا لربه مناجيًا وشاكيًا فقَال: (رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا) أَي: دعوتهم إلي الإِيمان والطاعة دعاءً متواصلا. شغل ليلي ونهاري من غير فتور ولا توان امتثالا لأَمرك (فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلا فِرَارًا) أَي: هَرَبًا مني وبعدا عني، وعما نصحتهم به، ودعوتهم إِليه، وإِسناد الزيادة إِلى الدعاء لسببيته لها على سبيل المجز، كما في قوله تعالى: (وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا) (١).

٩،٨،٧ - {وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (٧) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (٨) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا (٩)}:

تتابع الآيات ذكر تمادي هؤُلاءِ الكفرة في الضلال واندفاعهم في الإِعراض والتكذيب مما جعله - عليه السلام - يستمر في حكاية شكواه لربه فيقول: (وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ ... ) الخ أَي: كلما دعوت قومي إِلى الإِيمان وللاستجابة إِلى ما أَدعوهم إِليه من ترك الشرك والعصيان لتغفر لهم ذنوبهم، وتتجاوز عن سيئاتهم، وتدخلهم يوم الجزاءِ مدخلا كريمًا (جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ) أَي: سدوا مسامعهم عن استماع الدعوة إلي الحق. فجعلهم الأَصابع في الآذان كناية عن انصرافهم عن الحق، وقد أَخبر الله من كفار قريش أَنهم كانوا يصنعون مثيل هذا عند استماعهم للقرآن الكريم: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) (٢).

ولا مانع من حمل قوله سبحانه: (جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ) على إِرادة الحقيقة بسدها بالأَصابع. (وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ) بالغوا في التغطي. بها كأَنهم طلبوا منها أن تغشاهم كراهة النظر إِليه من فرط نفورهم من الدعوة، ومقتهم لها، وقال ابن جريج عن ابن عباس: تنكروا له لئلا يعرفهم، وقال سعيد بن جبير والسّدي: غطوا رءُوسهم لئلا يسمعوا ما يقول.


(١) الأنفال، من الآية رقم: ٢.
(٢) فصلت، آية رقم: ٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>