هذه الآية الكريمة شروع في بيان الحكمة في البراءَة من عهود المشركين بعد أَن نكث بعضهم عهودهم، والغرض من الاستفهام (بكيف) استبعاد أَن يكون لهم عهد مع الله ورسوله ولا ينقضوه مع أَن صدورهم مليئة بكراهية المسلمين، أَو استبعاد أَن يفى الله ورسوله بالعهد وهم ناكثوه.
والمعنى على هذا: كيف يوجد لهؤلاءِ المشركين عهد معتد به عند الله وعند رسوله يستحق أَن تراعى حقوقه، ويحافظ عليه إِلى إتمام المدة؟ لكن الذين عاهدتم عند المسجد الحرام، فتربصوا بهم، وانظروا أَحوالهم، وعاملوهم حسب تصرفهم، والتعرض لكون المعاهدة عند المسجد الحرام، لزيادة بيان أَصحابها (١)، والإِشعار بسبب توكيد احترامها وتنفيذها.
فَأَىَّ وَقْتٍ استقام أُولئك المشركون الذين عاهدتموهم عند المسجد الحرام، وكانوا أَوفياء بمعاهدتهم، فاستقيموا لهم بإِتمام عهدهم إِلى مدتهم، فإِن هذا من التقوى، والله يحب المتقين.
في تكرار الاستفهام بكيف، تكرار وتأْكيد لاستبعاد ثباتهم على العهد أَو بقاء حكمه مع التنبيه على السبب.
والمعنى على الثاني: كيف يكون للمشركين عهد مُعْتَدٌّ به، ومراعاةٌ لأَحكامه عند الله وعند رسوله ﷺ، وحالهم أَنهم إِن يظفروا بكم أَيها المؤمنون ويظهروا عليكم ويغلبوكم، لا يراعوا في شأنكم قرابة ولا عهدًا، فإِذا كانوا لا يراعون عهودهم وقرابتهم معكم، فكيف تحافظون على عهود ضيعوها ونكثوها، وشرط وجوب مراعاة حقوق العهد، أَن تكون محترمة من المتعاقدين، فإِن ضيعها أَحدهما، حلَّ للآخر معاملته بالمثل.
(١) وهم بنو بكر - كما قال محمَّد بن إسحاق - أَي ليس العهد إلا لهؤلاء الذين لم ينقضوا عهدهم بعد.