قبل هذه الآية ضرب الله مثلا للحق بماءٍ أَنزله من السماءِ، فسالت به أَودية بقدرها وانتفع به الناس، وضرب مثلا للباطل بالزَّبَد الذي يعلو فوق الماءِ ولا يلبث أَن يضْمَحِل ويزول، وبيَّن أَن الذين استجابوا لربهم لهم الحسنى والذين لم يستجيبوا لربهم لهم سوءُ الحساب ومأْواهم جهنم وبئس المهاد.
وجاءَت هذه الآية لتقرير استحقاق المسِتجيب لربه أَحسن الجزاءِ، واستحقاق المعرض عنه سوءَ الحساب وشر العقاب.
والمعنى: أيستوى في الجزاءِ مؤْمن وكافر؟ -كلا- فمن هو بصير يعلم بنور قلبه وإِرشاد عقله وهداية ربه أَن القرآن الذي أَنزله إِليك ربك يا محمد هو الحق الذي لا يشوبه باطل، مَنْ كان هذا شأْنه -لا يتساوى عقلا مع من هو أَعمى القلب لا يتبين الرشد من الغى، والهدى من الضلال، فلهذا أحسن الله جزاءَ من استجاب له وآمن بكتابه، وأساءَ حساب وجزاء من أَعرض عن دعائه، وكذَّب برسوله وكتابه.
ثُمَّ ختم الله الآية بقوله:
(إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ): ليبين أَن أَصحاب العقول النظيفة والأفكار المستنيرة، هم الذين يتذكُّرون ويتَّعظون بما يسمعونه من آيات الله البينات، دون سواهم من أَصحاب العقول المغطاة بحجب الباطل، وغياهب التقليد.