للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التفسير

٣٠ - {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ}:

أي فسهلت لقابيل نفسه أن يقتُلَ أخاه الصالح، الذي لا ذنب له في عدم قبول قربانه، فقتله، بعد أن بذل له من النصح والإرشاد، والترغيب والترهيب. فما أورثه ذلك إلا الإِصرار على الغَي والانهماك في الفساد، فأصبح - بجريمته النكراء التي لا مبرر لها - من الخاسرين، الذين خسروا أنفسهم فأفسدوا فطرتها. وخسروا أَقرب الناس إليهم وأعونهم على بأساء الحياة. وخسروا حسن السمعة في الدنيا. وخسروا النجاة من العقاب في الآخرة. وبذلك خسر الدنيا والآخرة: وذلك هو الخسران المبين.

٣١ - {فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ ... } الآية.

لم يكن الدفن معروفًا للبشرية، قبل هذه الحادثة الأولى، التي راح ضحيتها - لأول مرة - إنسان كان مملوءًا حيوية ونشاطا، فأصبح جثة هامدة يتسرب إليها العفن، ويسرع إليها النتن، ويؤْذي ريحها الأنوف، ويضيق النفوس. والجاني - أَمام جريمته وآثارها - حيران لا يدري كيف يتصرف.

{فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ}:

وحينئذ: أَرسل الله غرابا. وجعله يحفر أَمامه في الأَرض - بمنقاره ورجليه - حفرة ثم أَلقى فيها غرابا آخر ميتا وواراه بالتراب. فعرف قابيل بذلك كيف يواري سوءَة أَخيه.

{قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي}:

أي فنادى - متّحسرا جزعا -: يا ويلتا اعجزت عن أن أكون مثل هذا الغراب، فأُواري جثة أَخي. كما وارى الغراب جثة أَخيه!!

{فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ}:

على قتله، بعد ما رأَى وعاش في آثار جريمته.

٣٢ - {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا ... } الآية.

أَي من أجل فظاعة القتل ظلما، وسوء آثاره في الدنيا والآخرة، قضينا على بني إِسرائيل في كتابهم: أَنَّ من قتل نفسا بغير قصاص في نفس، أَو بغير فساد في الأَرض

<<  <  ج: ص:  >  >>