لَمَّا ذم الله ﷾ في السورة التي قبلها - وهي (سورة الفجر) - ونعى على من أَحب المال حبا جما وأَكل التراث أَكلًا لَمًّا جمع فيه بين الحلال والحرام وما يحمد وما لا يحمد، ولم يخص ويحث على إِطعام المسكين، ذكر هنا - جل شأْنه - الخصال التي تطلب من صاحب المال لينجومن العذاب الأَليم ويقي نفسه من غضب ربه، وهذه الخصال هي تخليص العبيد من الرقّ، وإِطعام ذوي الفاقة والحاجة.
وكذا لَمَّا ذكر هنا النفس المطمئنة ذكر هنا بعض ما يحصل به اطمئنان نفس الرسول والمؤمنين، حيث وعد الله رسوله ﷺ بدخول مكة وفتحها.
[بعض مقاصد السورة]
١ - بدأَت السورة الكريمة بالقَسَم بمكة لحرمتها وشرفها؛ لأَن فيها أَول بيت وضعه الله لعبادته - تعالى - ولأَنها مولد الرسول ﷺ وموطن آبائه من لدن إِسماعيل - عيله السلام - إِيماءً إِلى شرف رسوله، وتعظيمًا لمنزلته ومكانته عند ربه.
٢ - أَبانت السورة أَن الإِنسان قد جعله الله في مكابدة ومشقة من يوم ولادته إِلى يوم القيامة، إشارة إِلى أَن العاقل ينبغي أَن يؤمن ويعمل صالحًا كي يدخل الجنة فيحسن ماله وينعم في أُخراه؛ فيستريح من معاناة الشدائد، ولا تسلمه أَعماله القبيحة إِلى النار وبئس المصير (لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ).
٣ - جاءَت السورة بنعم جليلة امتن الله بها على عباده؛ حثًّا لهم على أَن يؤدوا شكرها ويقوموا بحقها ويجاهدوا في تحقيقها؛ حتى يجتازوا العقبة الكثود التي تعترض طريقهم إِلى الجنة، وذلك بإِنفاق المال في فك إِسار الأَرقاءِ من قيد العبودية، وفي إِطعام الفقراءِ واليتامى والمساكين، وذلك بعد أَن يكون الإِيمان قد تمكن من قلوبهم:(أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ … ) إِلى قوله تعالى -: (وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ).