خديجة ﵂ حينما أَدركت فضل النبي ﷺ ولمست فيه كمال صفاته، فآمنت به، وكانت من قبل قد اختارته زوجًا لها مع فقره وغناها، وكان ذلك بعد أَن رفضت كثيرا من أَشراف قريش ليكون أَحدهم زوجًا لها.
لما بين الله في الآيات السابقة فساد عبادة الأَصنام وعناد الكافرين جاءَ بعد ذلك بإِرشاد نبيه ﷺ، إِلى اللين في معاملة الناس عامَّةً تيسيرا عليهم وتأْليفا لقلوب الجاحدين، وتسكينا لثورة جماحهم لعلهم يعودون إِلى الحق وحسن الاستماع فقال تعالى:
﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ﴾: أَي أَقبل يا محمَّد السهل اليسير من أَخلاق الناس، وتساهل معهم فيما اعتادوه، من أَعمال وعادات لا تخالف ما جئت به، وأْمرهم بما شرعه الله لهم، وهو ما تقر بحسنه وصلاحيته العقول السليمة وذهب بعض المفسرين إِلى أَن معنى العفو: الفضل الزائد عن حاجة الناس من أَموالهم، ليكون الأَخذ مستعملا في المُحَسّ دون تجوز، كما في قوله تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ﴾. أَي الزائد عن حاجتهم.
والأَظهر حمل الآية على المعنى الأَول، وهو العفو بمعنى القبول .... مع مراعاة تقييده بقوله تعالى: ﴿وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ﴾ أَي بالمعروف لك عن طريق الوحى، فلا عفو حينئذ فيما هو مطلوب شرعا، ويبقى العفو عامًّا فيما يجوز التسامح فيه.