ولم يصرح لهم بما يراه من سبب غفلتهم حتى لا يتهمهم صراحة بالتقصير في شأنه، وقلة مبالاتهم به، بل تركهم يحملونه على نحو اشتغالهم عنه بما خرجوا من أجله، وهو الرتع واللعب، فأجابوه بما يفيد أَنهم لن يغفلوا عنه، ولن يشغلهم عن حفظه ما سيكونون فيه من الرتع واللعب، لكي يطمئن عليه ويرسله معهم، وقد حكى الله ذلك بقوله:
أي قالوا لأَبيهم ليطمئنوه على يوسف إن خرج معهم: والله لئن أكله الذئب وهو معنا في هذه الرحلة ونحن جماعة محيطون به يشد بعضنا بعضا، لئن أكله الذئب ونحن كذلك إنا حينئذ لخاسرون سمعتنا وكرامتنا بين قومنا، ونحن لا نقبل على أنفسنا هذا الهوان.
تقدم بيان أَن إخوة يوسف من أبيه تشاوروا فيما بينهم في الطريقة التي يتخلصون بها من يوسف ﵇، لأنه يستحوذ على معظم حب أَبيه يعقوب، وهم يريدونه لهما وحدهم، وأنهم لذلك طرحوا اقتراحين لاختيار أحدهما، (أَولهما) أَن يقتلوه قتلا مباشرا، (وثانيهما) أَن يلقوه في مكان بعيد يصعب عليه فيه العودة إلى أَبيه.
وذكرنا أن أحدهم نهاهم عن قتله، واقترح عليهم أن يلقوه في غيابة الجب، وأنهم وافقوا على اقتراحه هذا وأَخذوا في تنفيذه، فبدأوا يعتبون على أَبيهم أنه لا يأمنهم على يوسف مع أَنهم له ناصحون، وطلبوا منه أَن يرسله معهم إلى مراعيهم التي بها مواشيهم،