للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[التفسير]

٦٣ - ﴿أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ … ﴾ الآية.

أنكروا على نوح أن يكون رسولًا من رب العالمين - وهو رجل منهم - وكذّبوه. فقال لهم: هل استبعدتم وعجبتم من أن جاءَ وحىٌ مذكِّر لكم من ربكم، على لسان رجل - من جملتكم أو من جنسكم - وقلتم من أجل ذلك ما قلتم: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ (٢٤) إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ﴾ (١).

إِلى غير ذلك ممَّا لا خير فيه، مع أَنه جاءَ: لينذركم ويخوفكم عاقبة شرككم ومعاصيكم، ولتتقوا الله في عقائدكم وأعمالكم، ولعلكم ترحمون، إذا امتثلتم، ولم يأْتكم لأَغراض دنيوية تعود عليه منكم. فكيف تتهمونه بالكذب، وتردُّون قوله، وهو رجل منكم تعلمون حاله من الصدق، ولا مصلحة له سوى هدايتكم؟.

٦٤ - ﴿فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا﴾:

أَي فأصروا على تكذيبه في رسالته، واستمروا على ذلك أَلف سنة إلا خمسين عاما، وكانوا - طيلة هذه المدة - كلَّما جدَّدُوا تكذيبا، جدَّد لهم دعوةً دون كَلَلٍ أو مَلَلٍ، فلم يزدهم دعاؤه إِيَّاهِم، إلاَّ فِرَارًا من الحقِّ، كما قال تعالى حكاية عنه في سورة نوح: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (٥) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا﴾ (٢). وبعد أن يئس من إيمانهم، دعا عليهم قائلا: ﴿ … رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (٢٦) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا﴾ (٣).

وقد استجاب الله دعاءَه، وأمره ببناءِ سفينة ليركبها مع من آمن معه، حتى ينجو معهم من الغرق بالطوفان الذي قدَّر الله إِهلاك قومه به، استجابة لدعوته فلما أَتمَّ بناءَها، أَمره اللهُ أَن يركبها ومَن آمن معه. ثم فجَّر اللهُ عيون الأرض،


(١) سورة المؤمنون، من الآيتين: ٢٤، ٢٥
(٢) سورة نوح، الآيتان: ٥، ٦
(٣) سورة نوح، الآيتان: ٢٦، ٢٧