بعد أن ذكر الله - فيما تقدم - أن إله الناس واحد ورحمن ورحيم، وأقام الأدلة على ذلك، وحذر من عاقبة الإشراك، أتبعه إباحة الحلال الطيب. مما في أرضه - تعالى - لهم، وحذرهم أن يتبعوا الشيطان في أمرهم كله من عقائد وأعمال وأرزاقٍ، لعداوته لهم، ولأنه لا يأمر الناس بغير السوء والفحشاء، وأن يقولوا على الله ما لا يعلمون.
وقد نزلت هذه الآية فيمن حَرَّموا طيبات أُحلِّت لهم، فالمشركون لم يقتصروا على الإشراك بالله - تعالى - بل ضموا إلى ذلك تحريم البَحِيرَةِ، والسَّائِبَة، والوَصِيلة، والحام، وهي أنواع من الإبل، حَرَّموا ذبحها وأكلها. وسيأتي بيانها في تفسير سورة المائدة آية (١٠٣).
واليهود كانوا يحرمون لحم الإبل على أنفسهم.
والآية الكريمة، وإن نزلت في هؤُلاء، فهي عامة الخطاب لهم ولمن على شاكلتهم، كالسيخ من أهل الهند الذين يحرمون ذبح البقر وأكل لحمها، لأنهم يعبدونها.
هؤُلاء جميعًا، يقول لهم ربهم - سبحانه - ما معناه:
يأيها الناس كلوا مما في الأرض، من حيوانها ونباتها وثمارها، حلالًا لا حرمة فيه، طيبًا لا تعافه النفوس، فلا تمنعوا أنفسكم من هذه المطاعم التي حَرَّمتموها وهي لكم حلال، كما لا تمنعون أنفسكم من غيرها، بشرط أن تكسبوها بطريق مشروع، وألا تكون محرمة لخبثها أو لعارض، كذكر اسم الأوثان عليها. والأمر في:"كُلُوا": للإباحة.