هذه الآية الكريمة تحكى ما كان من المشركين عند كتابة صلح الحديبية وتوثيقه، وذلك أن النبي ﷺ دعا عليًّا - كرم الله وجهه - فقال له: اكتب (بسم الله الرحمن الرحيم) فقال سهيل بن عمرو: لا أعرف هذا ولكن اكتب: باسمك اللهم، فقال رسول الله ﷺ: اكتب (باسمك اللهم) فكتبها، ثم قال ﵊:(اكتب: هذا ما صالح عليه محمَّد رسول الله سهيل بن عمرو) فقال سهيل: لو كنا نعلم أنك رسول الله ﷺ ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك. فقال رسول الله ﷺ:(والله إني لرسول الله وإن كذبتموني. اكتب: هذا ما صالح عليه محمَّد بن عبد الله سهيل بن عمرو) إلى آخر ما جاء في كتاب الصلح.
أي: تذكر - يا محمَّد - وذكر المؤمنين بذلك الوقت الذي ملأ فيه الكافرون قلوبهم كبرًا وأنفة بعدت بهم عن الحق، ونأت عن الصراط المستقيم، حيث لم يذعنوا لما جاء به رسول الله ﷺ ورفضوا الإقرار بالبسملة والتسليم برسالة الرسول ﷺ ولم يرضوا بكتابة ما أملاه رسول الله ﷺ في ورقة صلح الحديبية، ولكن الله برعايته ولطفه أدرك المؤمنين بكريم عطفه وعظيم فضله، فأنزل الطمأنينة والوقار والحلم عليهم، وثبتهم وأرضاهم وشرح صدورهم إلى ما أمر به رسول الله ﷺ ولم يدخل قلوبهم ما دخل في قلوب المشركين من الحمية.
وقال الإِمام الفخر الرازى: إن الله - تعالى - أبان غاية البون بين الكافر والمؤمن فأشار إلى ثلاثة أشياء:
(أحدها): جعل ما للكافرين بِجَعْلهم فقال: (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا في قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ)، وجعل ما للمؤمنين بجَعْل الله - تعالى - فقال:(فَأَنْزَلَ اللهُ) وبين الفاعِلَيْن ما لا يخفى.