(ثانيها): جعل للكافرين الحمية، وللمؤمنين السكينة، وبين المفعولَيْن تفاوت.
(ثالثها): أضاف الحمية إلى الجاهلية، وأضاف السكينة إلى نفسه حيث قال:(حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ)، وقال:(سَكِينَتَهُ) وبين الإضافتين ما لا يذكر، ثم استطرد الإِمام الفخر فقال: قال الله في حق الكافر: (جَعَلَ)، وفي حق المؤمن:(أنزَلَ) ولم يقل: خلق ولا جعل سكينَتَه إشارة إلى أن الحمية كانت مجعولة في الحال، أما السكينة فكانت كالمحفوظة في خزائن رحمته معدَّة لعباده فأنزلها. وقال:(الحَمِيَّة) ثم أضافها بقوله: (حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ)؛ لأنَّ الحمية في نفسها صفة مذمومة، وبالإضافة إلى الجاهلية تزداد قبحًا، وللحمية في القبح درجة لا يعتبر معها قبح القبائح كالمضاف إلى الجاهلية، وأما السكينة في نفسها وإن كانت حسنة لكن الإضافة إلى الله فيها من الحسن ما لا يبقى معه لِحُسْنٍ اعتبار، فقال:(سَكِينَتَهُ) اكتفاء بحسن الإضافة.
(وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا) أي: اختارها لهم وألزمهم بها - سبحانه - تكريمًا وتشريفًا لهم، وكانوا أحق وأولى من سواهم وأجدر من غيرهم بهذا التكريم؛ فيه صفوة خلقه وأصحاب رسوله ﵃ المختارون لدينه الحنيف. وقيل: هم أحق بها في الدنيا وهم أهلها بالثواب في الآخرة.
وكلمة التقوى هي:(بسمِ الله الرحمن الرحيم، ومحمَّد رسول الله) التي أبى سهيل ابن عمرو أن تكتب في صلح الحديبية، وقيل: هي لَا إله إلا الله، والله أكبر، وقيل: هي الثبات والوفاء بالعهد.
(وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) أي: يعلم - سبحانه - حق كل شيءٍ فيسوق ويعطى الحق لمن يستحقه، ويمنح العطاءَ من يستأهله، وذلك حسب ما تقتضيه حكمته وتوجبه رحمته.