وهى مكية، وآياتها مائة وإِحدى عشرة آية فقط، وذكرت بعد هود لما يجمع بينهما من تسلية الرسول ﷺ بقصص الأنبياء السابقين وما لاقوا من أذى الأباعد كقصص سورة هود وأذى الأقارب كقصة يوسف ﵇.
وتمتاز سورة يوسف بأنها تناولت قصته كاملة من أولها إلى نهايتها، حيث شرحت أمره مع أبيه ومع أخوته في صغره وشبابه وكهولته في فقره وفي غناه، وبينت كيف تآمر عليه إخوته، حتى ألقوه في غيابة الجب، وكيف التقطه بعض المسافرين وباعوه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين، وأَنه تربى في بيت عزيز مصر، ونشأ فيه نشأة عبد مملوك، وأن جماله في شبابه أغرى به زوجته فراودته عن نفسه فاستعصم، فكادت له عنده، ودفع به كيدها إِلى السجن وعاش فيه بضع سنين، وكان معه فتيان، وفي ليلة رأيا في المنام رؤيا، وسألاه عن تعبيرها، فقال في تعبيرها: ﴿أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ﴾، وتحقق تأويله لرؤياهما فقتل أحد السجينين وصلب، وعفى عن السجين الثاني، وأصبح ساقيا لملك مصر، ولما رأى الملك رؤيا أزعجته وفشل الكهنة في تأويلها، علم من ساقيه مكانة يوسف في تعبير الرؤيا، فاستدعاه فعبرها تعبيرًا عرف منه الملك منزلته من العلم، وبرَّأته زوجة العزيز مما نسبته إِليه ظلما وجعله الملك على خزائن الأَرض
ثم بينت القحط الذي أصاب الناس وبينت كيف كان هذا سببا في حضور إخوته ليتزودوا من الطعام الذي خزنه يوسف ليكون قوتا للناس في سبع سنين عجاف، وكيف خزنه حتى سلم من الآفات هذه المدة، وكيف عاد إليه أَبواه وإخوته، ثم رفع أبويه على العرش وخروا له سجدا، إلى غير ذلك من غرائب هذه القصة التي تعتبر عبرا وعظات ينبغي أن ينتفع بها كل ذى عقل رشيد.
وقد بدئت السورة بثلاث آيات في بيان أحسن القصص، ثم جيء عقبها بقصة يوسف كاملة، وختمت بإحدى عشرة آية توضح أَهداف القصة والحكم المستفادة منها، ودلالتها الواضحة على نبوة نبينا محمد ﷺ.