بعد أن أَوضح الله ما يصير إليه أمر هؤُلاء من عذاب مقيم في جهنم أَبان - جل شأْنه - ما يصدر منهم من قول وما يبدو من ندم:
ندم البغاة ولات ساعة مندم … والظلم مرتعُ مبتغيه وخيم
فيقولون - وقد غيرت وجوههم من حالة قبيحة وسيئة إلى حالة أَقبح وأَسوأَ في النار من شدة ما يأْلمون وهول ما يجدون - يقولون ويرددون نادمين متحسرين على ما فرط منهم -: يا ليتنا استجبنا لله فآمنا به وأَجبنا داعي الله ورسوله فصدقناه فيما جاءَ به، لو حدث منا هذا ما أَصابنا ما نعانيه من الهول العظيم والعذاب المهين. وخص - جل شأْنه - الوجوه بالذكر مع أن أَجسادهم كذلك؛ لأن الوجوه أعظم الأَعضاء مكانة وشرفا، وذلك فيه ما فيه من الإذلال وتهويل الأَمر وتفظيع الخطب وتفزيع النفس وترويع القلب.
أي إنهم في هذا اليوم بعد أن أَبدوْا ندمهم وأَظهروا أَسفهم، أرادوا أَن يتنصلوا من جريمتهم، فيلصقوها بسادتهم وكبرائهم، ممن كانوا لهم قادة في الشر وقدوة في الكفر، فيقولون ما كان منا إلاَّ الطاعة والخضوع والإِذعان لهؤُلاء الرؤساء فلم يكن منا عناد أَو مكابرة أو مجالدة للرسل والأَنبياءِ، وإنما كنا تبعا لهؤُلاءِ مستضعفين لديهم، مقهورين تحت سلطانهم، لا نملك إلاَّ أن نكون طوع أَمرهم، ولولا هؤلاء الرؤساءُ لكنا مؤْمنين، فهؤُلاءِ قد رضوا أَن يكونوا أَداة في أَيدي أولئك يصرفونهم كما يشاءُون، إنهم يعتذرون بذلك رجاءَ الإفلات من العقاب ولكنه عذر مردود غير مقبول، وحجة داحضة إذ كيف يغفلون نعمة العقل التي منحهم الله إيَّاها فجعلها مناط المسئولية ومحور الجزاءِ: ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾ (١). ويهدرون