للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وذكر القرطبي: أن يهوديًا طال وقوفه على باب الرشيد لحاجة له، فلما رآه خارجًا، قال له: اتق الله يا أمير المؤمنين، فنزل عن دابته، وخر ساجدًا لله، ثم أمر بقضاءِ حاجته. فسأله خاصته في ذلك، فقال: تذكرت قوله تعالى:

﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ … ﴾ الآية.

﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (٢٠٧)

[المفردات]

﴿يَشْرِي نَفْسَهُ﴾: شرى، من الأضداد، كذا في الصحاح، والمراد من شرائها هنا: بيعها، ومنه قوله تعالى: ﴿وَشَرَوْهُ بِثَمنٍ بَخْسٍ﴾ (١) أَي باعوه.

[التفسير]

٢٠٧ - ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِ ي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ … ﴾ الآية.

هذه هي الطائفة الثانية، المقابلة للطائفة التي حكيت أحوالها المذمومة، فيما مضى من الآيات. أي ومن الناس مؤمنون صادقون، طهَّرت نفوسهم تقوى الله، وبرئوا من النفاق، وزكت أعمالهم، فلم يستجيبوا للأَهواء والشهوات، وإنما باعوا أنفسهم - وهي أعز ما يملكه الإنسان - طلبًا لمرضاة الله، إذ بذلوها في ميادين الجهاد، وحملوها أقسى أنواع المشقات في طاعة الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، موقنين أن كل ما في الحياة - من جاه ومال وسلطان - متاع قليل، وأن الآخرة خير لمن اتقى.

وقد صور التعبير القرآني مَنْ بَذَلَ نفسه لله، بصورة من باع نفسه له - تعالى - بثمن هو مرضاته وثوابه، فقبل الله هذا البيع، وأعطاه الثواب الدائم، مع أن ما بذله لله من نفسه وماله، ملك له تعالى. ولذا ختم الآية بقوله: ﴿وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾ حيث أرشدهم لما فيه رضاه، وجعل النعيم الدائم جزاء العمل الصالح، على شراءِ ملكه بملكه.

وأكثر الروايات أن هذه الآية نزلت في صهيب الرومي .


(١) يوسف: ٢٠