واعلم أَنه ﷾ جعل الشرائع كلها فتفقة في الأَصول، فكلما أَتى نبي جاءَ بشريعة متفقة مع الشرائع السابقة في تلك الأَصول التي لا سبيل إِلى تغييرها، ومن ذلك ما تضمنه قوله ﵎: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا … ) الآيات من سورة الأَنعام. فهذه الأَصول وأَمثالها لا تتغير ولا تتبدل بتغير الرسالات والكتب السماوية، أَما الفروع فإِنها عرضة للتغيير والتبديل، كطريقة الصيام وزمنه، ومقادير الزكاة والأَصناف التي تزكى، وكتحليل بعض المحرمات، وفي ذلك يقول الله تعالى على لسان عيسى ﵇:"وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ … ". وغير ذلك مما يتغير بتغير الأَجيال وأَحوالهم. هذا، ويمكن أَن تكون الآية الكريمة عامة في كل ما يمحوه الله ويثبته من شئون الكون، فالأمر كله لله يفعل ما يشاءُ بقدرته ويحكم ما يريد بحكمته.
(وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ): أَي وعند الله تعالى أَصل الكتاب وقد فصل فيه كل ما يجريه سبحانه في الشرائع من المحو والإِثبات، وفي الكون من التغيير والتبديل، فكل ذلك لا يثبته الله ابتداءً، وإِنما هو قضاءٌ عنده قديم يبرزه في وقته وحينه الذي حدده ﷾ طبقًا لحكمته، وقد عرفت في المفردات أَن المراد بأُم الكتاب علم الله تعالى أَو اللوح المحفوظ.