بيان لبعض ما أَسبغه الله ﷿ على خلقه من آثار قدرته العظيمة، ورحمته الواسعة التي أَفاضها عليهم.
أَي: جعل الله لكم - أَيها المخاطبون - الليل ساترًا يستركم بظلامه، كما يستركم اللباس الذي تلبسونه، وجعل لكم النوم العميق الذي يقع في الليل غالبًا - جعله - قطْعا لأعمالكم التي تُثْقلكم وتُضْنيكم لتستريح من متاعبها أَبدانُكم وأَرواحكم، ﴿وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا﴾ أَي: تنتشرون فيه لمعايشكم ومكاسبكم ولأَداءِ سائر أَعمال الحياة، كما قال تعالى: ﴿وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ (١) فهو زمان بعث باليقظة من ذلك السُّبات كبعث الموتى بالنشور، وجُوّز أَن يراد بالسُّبات الموت؛ لما فيه من قطع الإِحساس بالحياة، وعُبِّر به عن النوم لما بينهما من المشابهة في انقطاع أحكام الحياة كما في قوله تعالى: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا﴾ كما عبر عن اليقظة بالنشور والبعث.
وهذا أيضًا من آثار قدرته التامة وسلطانه العظيم، أَي: أَنه سبحانه يرسل الرياح مبشرات بمجئ السحاب المؤذن بإِنزال المطر، لأَنه ريح فسحاب فمطر، وَوَرد المطر بعنوان الرحمة لحاجة كل مخلوق إلى مائه، لأَن فيه رزقًا للعباد، وبه تحيا الكائنات الحية، ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾.
والالتفات إلى نون العظمة في قوله سبحانه: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾، لإِبراز كمال العناية بإنزال الماء بمعني: أَنزلنا بعظمتنا ورحمتنا ماءً طاهرًا في نفسه مطهرًا لغيره، فالمياه المنزلة من السماء والمودعة في الأَرض طاهرة مطهرة، ووصفه بطهور إعظامٌ للمنَّة وأَنه أَهنأُ وأَنفع مما خالطه ما يزيل هذا الوصف، كالخل والسُّكر والمِسْك.