شروع في بيان الأَدلة الناطقة بوجود تعالى، وقدرته التامة على خلق الأَشياء المختلفة والمتضادة إِثر بيان جهالة المعرضين عنها وقبح ضلالتهم، والخطاب لكل متأَمل في عجائب الكون، والهمزة للتقرير، والتعرض لعنوان الربوبية مع الإِضافة إلى ضميره ﷺ لتشريفه، وللإِيذان بأَن ما يعقبه من آثار ربوبيته تعالى ورحمته.
ويقول الزمخشرى في تفسير هذه الآية:
ألم تنظر إلى صنع ربك وقدرته؟ ومعنى ﴿مَدَّ الظِّلَّ﴾: جعله يمتد وينبسط، فينتفع به الناس، ﴿وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا﴾: أَي لاصقًا بأَصل كل مُظِل من جبل وبناء وشجر غير منبسط، فلم ينتفع به أَحد، سمى انبساط الظل وامتداده تحركًا منه، وعدم ذلك سكونًا. اهـ.
والمقصود: تنبيه الناس إلى عظيم قدرته، وبالغ حكمته فيما يشاهدونه من مَدِّ الظل وقبضه، وقال ابن عباس، وابن عمر، والحسن ومجاهد وغيرهم: المراد بالظل: ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، قالوا: ويدل على ذلك كون هذا الوقت لا يوجد أطيب منه، فإِن فيه يجد المريض والمسافر وكل ذي حاجة راحته واستقرار، وأَن الظلمة الخالصة تنفر منها الطباع، وشعاع الشمس يجعل الجو ساخنًا، والبصر كليلًا، ولهذا كان ظلّ الجنة ممدودًا، كما في قوله تعالى: ﴿وَظِلٍّ مَمْدُودٍ﴾ (١).
وجملة ﴿وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا﴾: اعتراضية للدلالة من أَول الأَمر على أَنه لا مدخل للأَسباب العادية فيه، أَي: ولو شاءَ - سبحانه - لجعله ظلًّا دائمًا لا يزول، بألاّ يدع للشمس