بعد أَن بين الله في الآيات السابقة أَن المنافقين لكاذبون؛ لأَنهم يقولون بأَلسنتهم ما ليس في قلوبهم حيث يضمرون الكفر ويظهرون الإِسلام، وأَنهم اتخذوا الحلف والقسم وقاية من قتل وسبي المسلمين لهم جزاءَ ما يظهر منهم، وهم مع ذلك قد منعوا غيرهم من الدخول في الإسلام ونفروهم منه وأَنهم قد بلغت أَفعالهم درجةً كبيرة من الإِساءَة يتعجب منها، وأَنهم انقلبوا ونكسوا على رءُوسهم فكفروا بعد إِيمان بعد ذلك أَبان الله ﷾ بعض صفاتهم الخلقية والخلقية فقال:(وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ) أَي: وإِذا نظرت إِلى هؤلاءِ المنافقين راقك منظرهم، واستحسنت هيأَتهم، وأَخذتك فصاحة أَلسنتهم وبلاغة حديثهم، وكان عبد الله بن أَبيّ رأس المنافقين في المدنية رجلًا جسيما صبيحًا فصيحا ذلق اللسان وقوم من المنافقين في مثل صفته، وكانوا يحضرون مجلس رسول الله ﷺ فيستندون فيه، ولهم جهارة المنظر وفصاحة الأَلسن فكان النبي ﵊ ومن حضر يعجبون بأَجسامهم ويسمعون إِلى كلامهم.
وفي قوله تعالى:(كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ) ما يدل على أَنهم في حقيقة أَمرهم لا ينتفع بهم، والشأَن فيهم أَنهم ببسط أَجسامهم وذرابة أَلسنتهم أَهل لأَن يذودوا عن الإِسلام، ويدافعوا عنه في ساحة الوغى وميادين القتال مع قدرتهم على بيان ما أَنزل الله على رسوله تبليغا لغيرهم ودعوة لسواهم إِلى الإِسلام، ولكنهم لما نافقوا كانوا كالخشب المسندة التي لا تؤدي وظيفتها وما تصلح له من عمل في سقف أَو جدار أَو باب أَو نافذة إِلى غير ذلك من مظان الانتفاع ثم هي فوق ذلك عبء على سواها؛ لأَنها تلقي بثقلها على ما تستند إِليه، وهم بذلك لا يسمعون ولا يعقلون أَشباح بلا أرواح وأَجسام بلا أَحلام (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ) أَي: يظنون كل صوت عال واقع عليهم وضارٌّ بهم لجبنهم وهلعهم وللرعب والخوف الذي تمكن من قلوبهم فإِذا نادي مناد بصوت في العسكر إِبان الحرب أَو انقلتت دابة أَو أُنشد وطلب شيء قد ضاع من صاحبه ظنوا ذلك إِيقاعًا، وإِنزالًا للنكال بهم، وقيل: كانوا على