الحق - وهو الله - أَحق بالاتباع والعبادة من هؤلاءِ الشركاءِ العاجزين عن الاهتداءِ إلى المقاصد إِلا بهدايته لو أَراد جل وعلا، وكما أَنه لا وجه للموازنة بين القادر والعاجز، ولا بين القوى والضعيف، فكذلك لا وجه للمقارنة بين الهادي وبين من يحتاج إلى الهداية، ولذا عقبه بما يفيد التعجب من حالتهم، وذلك في قوله تعالى: ﴿فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾: أَي فما الذي حملكم على اتخاذكم هؤلاءِ شركاءَ لله ﷾ وكيف تحكمون هذا الحكم الجائر وأَنتم تعرفون بطلانه؟
٣٦ - ﴿وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا﴾: بعد الأَسئلة السابقة والأَجوبة عليها التي دلت على حقية التوحيد وبطلان الشرك: جاءَت هذه الآية توضح سبب خطئهم في اعتقادهم وهو اعتماد أَكثرهم على الظن في أَحكامهم.
والمعنى: وما يتبع أكثر هؤلاءِ المشركين في معتقداتهم وأَحكامهم إِلا أوهامًا يتوارثونها عن آبائهم وأَجدادهم، دون أَن يكون لهم عليها من دليل يدعو إلى الاطمئنان واليقين، والمراد بأَكثرهم جميع المشركين، فكلهم عقائدهم ظنية، ناشئة عن أوهام وخيالات، وقيل الضمير في أَكثرهم للناس جميعًا، وما يتبع أكثر الناس إِلا الظن (١)، ثم بين القرآن الكريم أَن الظن لا يقوم مقام اليقين الناشئ عن البراهين القطعية في شئون العقائد فقال:
﴿إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا﴾: أَي إن الظن لا تثبت به الحقائق، ولا يقوم مقام العلم اليقينى في الاعتقاد الصحيح المطابق للواقع ولا يغنى عنه شيئًا، فكيف سميتم معبوداتكم آلهة زورًا وبهتانا وعبدتموهم من دون الله بغير برهان، وصدق الله إذ يقول في شأْنها: ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا