هذه الآية الكريمة تسلية للرسول ﷺ، وتطمين لقلبه ببيان أَن مشركى قريش لن ينالوا منه شيئًا ولن يخلصوا إليه بسوءٍ، وأن قوة الله التي أهلكت قبلهم قرونًا كانت أشد منهم بطشًا، وأقوى منعة فوق قوتهم وجبروتهم، ولو شاء لأهلكهم كما أهلك من سبقوهم من الطغاة المتجبرين.
والمعنى: وكثيرًا أهلكنا قبل مشركى مكة والمنكرين من أهلها من أهل القرون السابقة من هم أشد منهم بطشًا، وأعتى قوة، وأعزّ منعة أمثال عاد وثمود وأضرابهم الذين ملكوا البلاد، وعاثوا فيها الفساد، واستبدوا بالعباد، وساروا في أقطار الأرض، وجاسوا خلالها، وجابوا أقطارها، فما أفادوا من ذلك، ولا ظفروا بمهرب من الهلاك، ولا بمعدل عن الموت، ولا وجدوا إلا الحسرة والتساؤل (هل من محيص؟) هل من مهرب نهرب إليه من الهلاك؟
أي: إن في ذلك الإهلاك، أو في ذلك المذكور من أول السورة من الآيات والمشاهد والأخبار لعظة بالغة، وعبرة رادعة لكل من له قلب وعقل واع يعقل ما يقال، وينتفع به، ويدرك كنه ما يشاهده، ويوقظ سمعه، ويلقيه كل ما يوجّه إليه فيجتمع له من سلامة القلب وإلقاء السمع ما يحقق له النفع، والوقوف على جلية الأمر وهو شهيد وحاضر بفطنته ويقظته، لأن من لا يحضر ذهنه فكأنه غائب.