لما ختم الله - سبحانه - سورة الجن بذكر الرسل - عليهم الصلاة والسلام - في قوله تعالى:(لِيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغْوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ) افتتح هذه السورة بما يتعلق ويتصل بخاتمهم محمد ﷺ حيث بدأَها بقوله: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) وقال الإِمام الآلوسي: لا يخفى اتصال أَولها (قُمْ اللَّيْلَ). إِلخ بقوله - تعالى - في آخر تلك (سورة الجن): (وَأَنَّهُ لَمَّا قَاَمَ عَبْدُ الله يَدْعُوهُ) وبقوله - سبحانه -: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لله) الآية.
[بعض مقاصد هذه السورة]
١ - إِن هذه السورة الكريمة تتصل برسول الله ﷺ في بدءِ الرسالة، وأَنه أَمر فيها بقيام الليل وترتيل القرآن فيه؛ ليكون ذلك أَعون له على تحمل أَعباءِ الرسالة:(يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمْ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلًا … ) إلي قوله: (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرتِيلًا).
٢ - جاءَت السورة تأمر الرسول ﵊ بالصبر على إِيذاء قومه له، وعدم التعرض لهم بأَذى أَو تعييب أَو شتم، وذلك قبل أَن يؤذن له في قتالهم، وأَن يتركهم لله وحده ينتقم له منهم في الدنيا بالهزيمة والقتل كما حدث في غزوة بدر، وفي الآخرة بالأَنكال والجحيم والطعام الذي يعترض في حلوقهم فلا يخرج ولا ينزل:(فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرهم هجرًا جَمِيلًا) إِلى قوله: (إِن لَدَيْنَا أَنكَالًا وَجَحِيمًا) الخ.
٣ - جاءَ ختام السورة ببيان فضل الله ورحمته على رسوله وعلى المؤمنين، وذلك بالتخفيف عنهم في التهجد وقيام الليل؛ لأَنه - سبحانه - علم أنهم لن يطيقوه لمرض بعضهم؛ وحاجة آخرين إِلى السعي في الأَرض ابتغاءَ الرزق أَو للقتال في سبيل الله، ورفع عنهم وجوب ذلك وأَمرهم بإِقام الصلاة وإيتاءِ الزكاة، وأَن يقرضوا الله قرضًا حسنًا، وذلك بفعل الطاعات ابتغاء وجهه - سبحانه - دون رياءٍ أَو سمعة، ووعدهم بأَنهم سيجدون عند الله خير الجزاء