لما بين الله تعالى في الآيات السابقة أنه جعل ما على الأرض زينة لها، ليختبر عباده في هذه الدنيا الفانية، التي ستنتهى إلى تراب لا نبات فيه، ثم يجزي كُلا منهم على حسب عمله وإخلاصه - قصّ عليهم قصة أهل الكهف والرقيم (١) برهانًا عمليا واضحًا، ينطق بأن يوم البعث والجزاء آتٍ لا ريب فيه، وقد أجمل الله قصتهم في الآيات الثلاث التي حكيناها من قبل، والخطاب لكل من يصلح للخطاب من البشر المكلفين.
والمعنى: لا تظن - أَيها المكلف - أن قصة أصحاب الكهف والرقيم - وإن كانت من خوارق العادات - لا تظن أنها عجيبة دون غيرها من آياتنا، أو لا تظن أنها أعجب آياتنا وأعظمها! فإن من آياتنا ما هو أعجب منها وأعظم؛ كخلق السماوات والأرض، واختلاف الليل والنهار، وتسخير الشمس والقمر والكواكب، وإخراج الحي من الميت، وإخراج الميت من الحي، وجعل ما على الأرض زينة لها؛ لحكمة الابتلاء في الدنيا والجزاء في الآخرة؛ كل هذه الآيات العظيمة وما إليها من آياتنا الدالة على قدرتنا - أعجب وأعظم من قصة أصحاب الكهف والرقيم.
أي اذكر حين التجأ هؤُلاء الفتية المؤمنون بالله إلى الكهف، فرارا بإيمانهم من الشرك وأهله، فقالوا ضارعين إلى ربهم مستغيثين به: يا ربنا هب لنا من عندك رحمة عظيمة، من خزائن رحمتك الواسعة، فيها الأمن والطمأنينة والمغفرة والسكينة.
(١) أصحاب الكهف هم أصحاب الرقيم عند الجمهور. وقيل أن أصحاب الرقيم غير أصحاب الكهف وهم ثلاثة ممن كانوا قبلنا أصابهم مطر: فأووا إلى غار، فانطبقت عليهم صخرة منه وهم فيه، فأنجاهم الله بعد أن توسلوا إليه بأخلص أعمالهم .. انظر تفسير الآلوسي.