سبب النزول: روى [ابن] عساكر، عن معاذ بن جبل، وثعلبة بن غنم، قالا: يا رسول الله، ما بال الهلال يبدو دقيقًا مثل الخيط، ثم يزيد حتى يعظم، ويستوي، ويستدير، ثم لا يزال ينقص، ويدق حتى يعود كما بدا، لا يكون على حالة واحدة؟ فنزلت الآية.
وإنما قال: ﴿عَنِ الْأَهِلَّةِ﴾ بالجمع، مع أنهم سألوا عن الهلال، وهو واحد، لأن الحالة التي سألوا عنها - لما كنت تتكرر كل شهر، وتتعدد: نزل تعدد الأحوال منزلة تعدد الذات، فصح الجمع وكان أولى من الإفراد.
والسؤال يحتمل أن يكون عن الحكمة في تطور شكل الهلال، وأن يكون عن السبب والعلة، والآية ليست نصًا في المراد، وقد أمر الله الرسول أن يجيب السائلين بقوله: ﴿قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾.
وهذا الجواب مطابق للسؤال، إن كانوا يسألون عن الحكمة، وهو من الأسلوب الحكيم، إن كانوا يسألون عن العلة.
والأسلوب الحكيم: أن يجاب السائل بغير ما يطلب، وتوجيهًا له إلى ما يفيده، وما هو جدير بالسؤال عنه.
والمعنى: يسألونك يا محمد عن الأهلة، قل: هي معالم للناس يُؤَقِّتون بها أُمورهم الدنيوية مثل مواعيد الزراعة، والتجارة، وسداد الدين، والقدوم والسفر، ونحو ذلك، مما يصلح فيه التوقيت القمري، ومعالم للعبادات المؤَقتة، كالصيام والحج ولو كان القمر على حالة واحدة، لم يتيسر هذا التوقيت.