سبب النزول: أخرج ابن جرير، والبخاري عن البراء، قال: "كانوا إذا أحرموا في الجاهلية، أتوا البيت من ظهره، فأنزل الله: ﴿وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا … ﴾ الآية. وكأنهم كانوا يتحرجون من الدخول من الباب، من أجل سقف الباب أن يحول بينهم وبين السماء، كما صرح به الزهري، في رواية ابن جرير ﵁ ويعدون فعلهم ذلك برًّا، فبين لهم: أنه ليس ببر.
وكما كان يحدث هذا في البيت الحرام، كان يحدث منهم في بيوتهم، فقد روى أن الأنصار كانوا إذا قدموا من سفر، لم يدخل الرجل من قبل بابه.
ويقول الحسن البصري: كان أقوام من أهل الجاهلية، إذا أراد أحدهم سفرًا، وخرج من بيته يريد السفر الذي خرج له، ثم بدا له - بعد خروجه - أن يقيم ويدع سفره، لم يدخل البيت من بابه، ولكن يتسوَّره من قِبَلِ ظهره، إلى غير ذلك، مما يشابهه. وقد نزلت هذه الآية لتعليمهم أدب الدخول.
ووجه الاتصال بين دخولهم البيوت من ظهورها، وبين سؤالهم عن الأهلة: التعريض بأن السؤال عن الأهلة، يعتبر كإتيان البيوت من ظهورها، وأن اللائق بحالهم ألا يسألوا عن هذا الأمر، الذي لم يستعدوا لإدراكه من الناحية العلمية.
والآية: تعتبر مثلا فيمن يباشر الأُمور بطرق غير مألوفة.
﴿وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى﴾: أي ولكن البرَّ بِرُّ من اتقى المحارم والشهوات.
﴿وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا﴾: أي باشروا أُموركم من وجوهها، التي يجب أن تُباشر عليها.
﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾: في جميع أُموركم.
﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾: لكي تفوزوا بما تطلبون من الهدى والبر، فإن من اتقى الله، تفجرت ينابيع الحكمة من قلبه، وانكشف له من الأسرار حسب تقواه.