تبين لهم الحق فيما هم فيه مختلفون، فبعث أصحاب الكهف من رقودهم الطويل، فبعثوا أحدهم ليشتري لهم طعامًا، فدخل السوق فجعل ينكر الوجوه التي يراها، وقد اختلفت عليه معالم المدينة كثيرًا، ورأى مظاهر الإيمان بادية على أهل المدينة، ثم أقبل متلطفا على رجل ليشترى منه طعامًا، فلما نظر الدراهم أنكرها، لأنها مضروبة من عهد بعيد، حيث كان يوجد ملك وثنيٌّ -قيل إنه يدعى دقيانوس- فاتهمه بكنز عثر عليه، وطلب منه أن يدله عليه حتى لا يرفع أَمره إلى الملك، فقال الفتى هي من ضربه، أليس ملككم فلانا؟ فقال الرجل: لا. بل هو فلان -وكان اسمه كما قيل (بندوسيس) فاجتمع الناس وذهبوا به إِلى الملك -وهو خائف- فسأله عن شأنه، فقص عليه القصة، وكان الملك قد سمع أن فِتْيةً خرجوا ولم يعودوا على عهد دقيانوس، فدعا مشيخة أهل بلده، وكان عند رجل منهم أسماؤهم وأنسابهم، فلما سألهم الملك عن هؤلاء الفتية، تقدم هذا الرجل، وذكر له ما عنده من أمرهم، فقال الفتى صدق، ثم قال الملك: أيها الناس. هذه آية بعثها الله لكم، لتؤمنوا بالبعث وأنه على نحو ما رأيتم، ثم خرج هو وطائفة من أهل المدينة ومعهم الفتى، فلما رأى الملك الفتية اعتنقهم وفرح بهم، ورآهم جلوسا مشرقة وجوههم، لم تَبْلَ ثِيابُهم، فأخبروه مما قوا من دقيانوس، فبينما هم بين يديه إذ قالوا له: نستودعك الله تعالى، والسلام عليك ورحمة الله، ودعوا له بخير، ثم رجعوا إلى مضاجعهم فتوفاهم الله تعالى ثم كان من أَمرهم ما قص الله تعالى.
تلك إحدى الروايات التي تحدثت عن قصتهم، اكتفينا بها فى فهم ما أجمله القرآن من أمرهم، انظر الآلوسي فى بيان هذه القصة.
[حكم اتخاذ المساجد فوق القبور]
استدل بعض الفقهاء بالآية على جواز اتخاذ المساجد فوق قبور الصلحاء والصلاة فيها، وهو استدلال باطل، فإننا لو سلمنا أن هؤلاء بنوا عليهم مسجدًا للصلاة وفق شرعهم، فإن شرع من قبلنا إنما يكون شرعا لنا إذا لم يرد في شرعنا ما يَردُّه، وقد جاء فى شرعنا ما يحرمه ويرده، فقد قال ﷺ:
"لَعَنَ اللهُ زَائِرَاتِ القُبُورِ وَالمُتَّخِذينَ عَلْيَهَا المَسَاجِدَ وَالسُّرُجَ" أخرجه أَحمد وأبو داود والترمذي وغيره عن ابن عباس، وقال ﷺ.