والمعنى: بل أَتظن - أَيها الرسول - أَن أَكثرهم يسمعون ما تتلو عليهم من الآيات؟ أَو يعقلون ما تشير إِليه تلك الآيات من الزجر عن القبائح، والدعوة إلى المحاسن، فتهتم بشأْنهم، وتطمع في إيمانهم؟
﴿إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ﴾: جملة مستأنفة لتأْكيد انصرافهم عن الحق، وبعدهم عن الاستماع والتعقل فهم في عدم الانتفاع بما يقرع آذانهم من قوارع الآيات وزواجرها، وانصرافهم إلى الأَكل والشرب - هم في ذلك - كالبهائم التي هي مثل في الغفلة والضلالة ﴿بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا﴾: أَي بل هم أَشد ضلالة من الأَنعام لما أَنها تطيع من يطعمها، وتعرف من يحسن إِليها ممن يقسو عليها وتطلب ما ينفعها، وتجتنب ما يضرها، وتهتدى لمأْكلها ومشربها، وهؤلاء لا ينقادون لربهم الذي خلقهم ورزقهم، ولا يعرفون إحسانه إليهم من إساءَة الشيطان الذي هو عدوهم، ولا يطلبون الثواب الذي هو أَعظم المنافع، ولا يتَّقون العقاب الذي هو شر المضار، ولا يهتدون للحق الذي هو المورد العذب، فهم لذلك كله معطِّون لقواهم العقلية، مضيعون للفطرة الأَصلية التي فطر الله الناس عليها، بالغون بما صنعوا درجةً جعلت الأَنعام خيرًا منهم حيث لا تقصير منها في طلب ما يصلحها، وإِنما ذكر الأَكثر لأَنَّ منهم من لم يصده عن الإِسلام إلاَّ حب الرياسة، ومنهم من أَسلم.