تضمنت هذه السورة ألوانًا من الأدب الرفيع، منها وجوب انتظار حكم الله ورسوله في أمور الدين وعدم سبقه بالحكم، وأن لا يرفع المسلمون أصواتهم فوق صوت النبي ﷺ ولا يجهروا له بالقول كجهر بعضهم لبعض، وبيان أن الذين يخفضون أصواتهم عنده لهم مغفرة وأَجر عظيم، كما تضمنت أن نداءه ﷺ من وراءه الحجرات في وقت راحته لا يجوز وأن على أولئك المنادين أن ينتظروه حتى يخرج إليهم، ليتحدثوا معه فيما جاءوا من أجله، وحذرت من قبول المؤمنين خبر الفاسقين حتى يتحققوا من صدقه، لكيلا يصيبوا قوما بجهالة فيصبحوا على ما فعلوا نادمين، وأوجبت عليهم الإصلاح العادل بين الطائفتين المتقاتلين من المؤمنين، فإن لم يتم الصلح قاتلوا الطائفة الباغية حتى ترجع إلى حكم الله - تعالى -: ﴿فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾.
ونهت عن سخرية بعضهم من بعض ذكورًا كانوا أو إناثًا، وعن التعاير بالألقاب، وأمرت باجتناب كثير من الظن ﴿إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾ ونهت عن التجسس وعن الغيبة، وبينت أن الله - تعالى - خلق عباده من ذكر وأُنثى وجعلهم شعوبًا وقبائل ليتعارفوا، لا ليتفاخروا بالأحساب والأَنساب، فإن أكرمهم عند الله أتقاهم.
وكشفت كذب بعض الأعراب في ادعائهم الإيمان، ودعتهم إلى صدق الإيمان فإن الله بهم عليم (﴿إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ).
[وجه ارتباطها بما قبلها]
ترتبط سورة الحجرات بسورة الفتح قبلها بعدة روابط، منها: أنهما مدنيتان ومشتملتان على أحكام، وأنَّ سورة الفتح فيها قتال الكفار، وهذه فيها قتال البغاة، وتلك ختمت