للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حتى يتيسر لك تلقى ما يوحى إِليك بعد ما كان يشق عليك!؟ وعن الحسن: ملئَ علما وحكمة.

وقيل المعنى: أَلم نفسح لك صدرك حتى وسع عالمي الغيب والشهادة وجمع بين ملكتي الاستفادة، والإفادة، ووجه نسبة الشرح إِلى الصدر: لأَنه لما كان محلا لأَحوال النفس، ومخزنًا لسرائرها من العلوم والإِدراكات، والملكات، والإِرادات وغيرها -عبَّر بشرحه عن توسيع دائرة تصرفات النفس بتأييدها بالقوة القدسية، والكمالات الإِلهية.

وعن ابن عباس وجماعة أَنه إِشارة إِلى شق صدره الشريف في صباه -عليه الصلاة والسلام- وقد وقع هذا الشق على ما في بعض الأَخبار، وهو عند مرضعته حليمة السعدية، وقد ذكر ذلك كثير من المفسرين.

وفي حديث لأبس يعلي، وأبي نعيم وابن عساكر ما يدل على تكرار هذا له عليه الصلاة والسلام وهو عند حليمة، وروى أَنه وقع له أَيضًا وهو ابن عشرين سنة وأَشهر، كما في الدر المنثور، ووردت في شق الصدر للرسول الله صلى الله عليه وسلم روايات كثيرة، فمن أَرادها فليرجع إِليها في أَمكنتها من كتب السيرة، والله وحده أَعلم بمدى صحة ما قيل.

(وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ): عطف على مضمون الجملة السابقة. كأَنه قيل: شرحنا لك صدرك، ووضعنا عنك وزرك، أَي: خففنا عنك ما أَثقل ظهرك من أعباءِ النبوة، ومشاق القيام بأَمرها، والوزر: الحمل الثقيل، وقيل: المراد به الأُمور التي فعلها صلى الله عليه وسلم عن اجتهاد وعُوتِبَ عليها، ووضْعها: غفرانها كقوله تعالى: "لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تأَخَّرَ" (١) واختار أَبو حيان كون وضع الوزر كناية عن عصمته صلى الله عليه وسلم من الذنوب وتطهيره من الأدناس، عبر عن ذلك بالوضع، على سبيل المبالغة في انتفائه.

(الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ) أَي: أَثقله وأوهنه حتى سمع له نقيض يصدر عنه لثقل الحمل، وهو صوت خفيف كالصوت الذي ينبعث من الرحل على ظهر البعير لثقل الحِمْل، والكلام على التمثيل، مثل به حاله -عليه الصلاة والسلام- مما كان يثقل عليه ويؤلمه من عدم


(١) الفتح، من الآية ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>