(فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ): يئسوا منه أَشد اليأُس. (خَلَصُوا نَجِيًّا) انفردوا عن يوسف غيره متناجين أَي متسارِّين، والنِّجِىُّ من تتحدث معه سِرًّا واحدًا أَو أَكثر، والنجوى السر. (الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا): هي مصر والمراد بها أَهلها. (وَالْعِيرَ): وأَصحاب العير الذين كانوا معنا.
أَي فلما يئسوا من يوسف أَن يجيبهم إِلى ما طلبوه منه من ترك بنيامين وأَخذ أَحدهم مكانه، حيث قال لهم على سبيل الحسم:(مَعَاذَ اللهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ) فإن ذلك يدل على غاية الكراهة لما طلبتوه حتى تعوَّذ باللهِ من حصوله - فلما يئسوا منه أشد اليأس لذلك انفردوا عنه وعن أَعين الناس متحدثين سرًّا في طريقة الخلاص من هذه المشكلة، كيف يبلغونها لأبيهم؟ وماذا يكون وقعها عليه؟ وهو لم ينس يوسف بعد، ولم تبرد نار فؤَاده.
قال كبيرهم في السنن أَو في المنزلة حين رآهم مجمعين على أَن يعودوا جميعًا دون بنيامين، أَلم تعلموا أَن أَباكم قد أَخذ عليكم عهدا وثيقًا من الله، حيث حلفتم به سبحانه لنرجعن ببنيامين إِليه، فكيف تعودون إِليه وليس معكم، أَو لم تعلموا مِنْ قبل - أَي من قبل بنيامين - فريطكم وتقصيرَكُم في شأْن يوسف وأَنكم لم تحفظوا في حقه عهدكم مع أَبيكم، إِذ قلتم له مرة:"وإنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ". وأُخرى:"وإنَّا لَهُ لَحَافظُون". فكيف نعود إِليه بعد كل هذا؟