بعد أَن بين الله في الآيات السابقة بعض ما أبلغه رسوله محمَّد ﷺ لأُمته من الأَحكام الناسخة لما كانوا عليه قبلها، جاءَ بهذه الآية لبيان أن تبليغ أحكام الله وشرائعه أمر مفروض على النبيين جميعًا، وقد أخذ عليهم العهود والمواثيق بتبليغها، سواءُ أَكانت ناسخة لما قبلها، أَم مؤكدة لها، أم جديدة لم يسبق مثلها.
والتصريح بذكر هؤُلاءِ الأَنبياءِ الخمسة - مع اندراجهم في عموم الأَنبياءِ قبلهم - لكونهم مشاهير أرباب الشرائع، وأُولي العزم من الرسل، وقدم نبينا محمَّد ﷺ على سائر أولى العزم؛ تكريمًا له وتعظيمًا لشأْنه، لعموم نبوته وبقائها إلى قيام الساعة، فهو سيد ولد آدم ولا فخر، ورتب بعده باقى الأنبياء حسب ترتيبهم في الوجود والبعث، وإعادة أخذ الميثاق في الآية لتأكيده، ووصفه بكونه غليظًا تعظيمًا لشأْنه.
ومعنى الآية: واذكر لقومك - أيها النبي - حين أخذنا من جميع النبيين ميثاقهم أن يبلغوا شرائعنا لأُممهم، ويخصوني بالعبادة وحدي، وأخذنا هذا الميثاق بخاصة على أُولى العزم منهم، حيث أخذناه عليك وعلى نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم، وأخذنا منهم بذلك ميثاقًا مؤكدا عظيمًا، ثم بين المقصود من أخذ هذا الميثاق بقوله - سبحانه -:
أي: أخذنا الميثاق بتبليغ شرائعنا على جميع النبيين المعروفين بالصدق عندنا وعند أقوامهم منذ نشأَتهم؛ ليسأَل الله هؤُلاءِ الأَنبياءَ المتصفين بالصدق عما قالوه وبلغوه من شرائعه الصادقة، وبماذا أجابهم أقوامهم، فيؤدوا الشهادة أمام الله عما قوبلت به دعوتهم كما قال - سبحانه -: ﴿يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ﴾ (١) ويرتب على شهادتهم ما يستحقه أقوامهم من ثواب أَو عقاب، وقد أَعد للمؤمنين ثوابًا كريمًا، وأعد للكافرين عذابًا أَليمًا.