لما أمر الله سبحانه، بإنظار المعسر وتأجيله، أتبعه بيان الحقوق المؤَجلة، وعقود المداينة. فذكر هذه الآية الكريمة.
المعنى والأحكام:
الدَّيْن - كما قال القرطبي -: كل معاملة كان أحد العوضين فيها نَقْدًا، والآخر في الذمة، نسيئة أي مؤَجلاً، فإن الْعَيْنَ عند العرب ما كان حاضرًا، والدَّينَ ما كان غائبًا.
وقد بين الله هذا المعنى بقوله (إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى).
وهذه الآية نزلت في بيع السَّلم خاصة، كما قال ابن عباس، فقد أخرج البخاري، عن ابن عباس أنه قال:
"أشهد أن السلفَ المضمونَ إلى أجل مسمى - أن الله تعالى أحلَّه وأَذِنَ فيه. ثم قرأ الآية" اهـ.
والسلف المضمون هو السلَم، فإنه مضمون بالثمار والحبوب المؤَجلَّة المتعاقد عليها. ومع ذلك، فالآية عامة في كل دين.
والسلم بيع من البيوع الجائزة باتفاق، وهو أن يسلم رجل إلى آخر عِوَضًا كالدراهم والدنانير ونحوها، في مقابل حبوب، أو ثمار غير موجودة عنده، في وقت البيع ولكنها مؤَجلة إلى أجل معلوم، ومحددة الأوصاف والمقادير ومكان التسليم.
والشارع وإن كان نهى عن بيع ما ليس عندك لأنه غير مقدور عليه؛ ولأنه يفضي إلى الشقاق -فقد رخص مع ذلك في بيع السَّلَم رَفْعًا للحرج بين الناس- فإن صاحب رأس المال محتاج إلى أن يشتري الثمرة، وصاحب الثمرة محتاج إلى ثمنها قبل ظهورها، لينفقه عليها. ولذا سماه الفقهاءُ: بيع المحاديج (١). ولما قدم رسول الله ﷺ المدينة، ورأى أهلها يستلفون في الثمار السنتين والثلاث، أقرهم على ذلك، بعد أن شرع لهم قواعده،
(١) وهي التي فيها الحدجُ، أي الغبن في البيع، ورخص فيه للحاجة إليه.