كان المسلمون في جهاد دائم مع أعدائهم من الكفار واليهود. وطبيعة الجهاد تقتضي كتمان أخبار القتال، وصيانة أسراره، إذا ما أريد له النجاح، وبخاصة ما يستفيد منها الأعداءُ.
ومن أخطر الأمور التي تضر بالمسلمين - وبجيشهم المقاتل - إذاعة ما يسمعه المرء من أخبار النصر أو الهزيمة، قبل أن يعرضه على أولِي الأمر. فإنهم - بوقوفهم على حقائق الأمور - أعلم بما إذا كان إفشاءُ هذه الأخبار مما يضر الصالح العام أَمْ لا.
لهذا، فإِن الآية منهج عظيم، من مناهج تربية الشعوب الإِسلامية على الروح العسكرية، وتوجيهٌ لتلك الشعوب: أن يسوسوا أنفسهم ويروضوها على صيانة أخبار أمن الدولة، وكل ما يتعلق بالجانب العسكري من معلومات. ذلك لأن إفشاء أخبار الدولة، يسهل للعدو مهمة التجسس، ومعرفة مواطن الضعف والقوة لدى المسلمين، ويكشف عن عيوبهم.
فواجب كل مسلم أن يرد هذه الأخبار إلى أُولِي الحل والعقد من المسلمين.
فإنهم هم الذين يستطيعون تقييم هذه الأخبار، وتقدير ما إذا كان من المصلحة العامة للدولة إِذاعتها أو كتمانها، حتى لا يحدث اضطراب في صفوف المسلمين.
كذلك هم - باطلاعهم على خفايا الأمور - أعرف بصحة تلك الأخبار أو فسادها. وسواء كانت هذه الأخبار: التي كانوا يتلقونها فيذيعونها، متعلقه بالنصر أَو بالهزيمة؛ لأن أخبار النصر، قد تؤدي إلى التواكل والإهمال فلا يأخذ المسلمون حذرهم. وبهذا يكونون فريسة سهلة لأعدائهم.
وأخبار الهزيمة قد تلقي الرعب في قلوب ضعفاء الإيمان، فتنهار الروح المعنوية. ولا يستطيع الجيش ملاقاة الأعداءِ. قال تعالى: ﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ