للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا﴾ (١).

وقد جاء في الحديث الشريف: "كفَى بالرء إثْما: أن يحَدِّثَ بِكُلِّ ما سَمِع (٢) ".

من أَجل هذا، دعت الآية الكريمة المسلمين، ووجهتهم: أن يرجعوا فيما سمعوه من أخبار النصر أَو الهزيمة، إلى الرسول وإلى أولى الأمر من أَهل الحل والعقد، في قوله تعالى: ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ … ﴾: والذين يستنبطون الحقائق، هم الذين يطلعون على خفايا الأمور. أو المراد بهم الذين رجعوا بهذه الأخبار - حينما سمعوها - إلى الرسول وأصحابه، فإنهم يعرفون - عن طريقهم - ما خفى عليهم أمره من هذه الأخبار.

﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا﴾:

هذا امتنان من الله تعالى، على عباده المؤمنين، بحفظهم من شر هذا السلوك الشائن، من المنافقين وضعفاءِ الإِيمان. حيث تفضل عليهم بالنصر، ورحمهم بالحفظ من تصديق ما يذيعه الأَعداء، وضعاف الإِيمانِ، وذوو الغفلة.

أي لولا هذا الفضل وتلك الرحمة من لله بهذه الأمة. لضل الكثير من أبنائِها: باتباع سبيل الشيطان، ولكان مصيرها الضياع والانهزام، وضعف الثقة في النفوس.

وعلى هذا، يكون المراد بالقلة في قوله تعالى: ﴿إِلَّا قَلِيلًا﴾: القلة الممتازة من المسلمين بقوة العزيمة، وثبات الإيمان، فإنهم هم الذين يكونون بمنجاة من التأَثر بهذه الأخبار، فلا يصدقونها ولا يذيعونها.

ويصح أَن يكون المراد بقوله: ﴿لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ﴾ إلا في قليل من أعمالكم.


(١) الأحزاب، الآيتان: ٦٠، ٦١.
(٢) أخرجه أبو داود والحاكم.