لما نهى الله المؤمنين - في الآية السابقة - عن أن يبطلوا صدقاتهم بالمن بها على من أعطوهم، وزجرهم عن أن يؤذوهم بتعدادها والفخر بها عليهم، وحذرهم من مشابهة المرائين بالنفقاتن فإن الرياء والمن والأذى من صفات الكافرين - أتبع ذلك بيان جزاء الإنفاق في سبيل الله، ومعناه: ومثل إنفاق المؤمنين الذين ينفقون أموالهم في وجوه البِرِّ، طلبا لمرضاة الله تعالى، وتثبيتًا للبذل من أنفسهم، حتى يصبح الإنفاق في سبيل الله عادة لنفوسهم، وطبيعة فطرية لها، فلا يترددوا في وضع صدقاتهم في مواضعها الجديرة بها كلما دعا داع إلى ذلك - مثل هذا الإنفاق، كمثل بستان بمكان مرتفع من الأرض تجود فيه الأشجار، وتزكو الثمار: أنعم الله عليه بالماء الغزير، فزاد ذلك في خصبه، وضاعف من ثماره، فأعطى أصحابه من الثمار ضعفين، لطيب تربته، وغزارة مائه.
ثم يقول الله تعالى:
﴿فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ﴾
فرذاذ يكفيها، لتجود بثمرها، فهي - في كلتا الحالتين - مثمرة نافعة.
وهذا مثل ضربه الله - تعالى - للطائعين المنفقين في سبيل الله بحسب نياتهم ونفقاتهم، فكلما حسنت نياتهم، وزاد بذلهم في نفقاتهم في سبيل الله - تضاعف ثوابهم كما يتضاعف ثم البستان المرتفع: الطيب التوبة، الغزير المطر.
وإن حسنت نياتهم وقَلَّ بذلهم وإنفاقهم في سبيل الله وعندهم الكثير، أثيبُوا كذلك على قدر بذلهم ونياتهم، كما يثمر البستان المرتفع الخصب: الذي يصيبه الطل ويسقى نباته المطر القليل.
قال الآلوسي: وخلاصة هذا التشبيه: أن نفقات هؤلاءِ زاكية عند الله، لا تضيع بحال، وإن كانت تتفاوت بحسب تفاوت ما يوازنها من الإخلاص والتعب وحب المال، والإيصال إلى الأحوج التقي وغير ذلك.