روي عن ابن عباس ﵁ قال:"إن في ابن آدم نفسا وروحًا، بينهما مثل شعاع الشمس، فالنفس هي التي بها العقل والتمييز، والروح هي التي بها التنفُّس، والتحرك، فيتوفَّيان معا عند الموت، ونتوفى النفس وحدها عند النوم".
هكذا روي عن ابن عباس، ولكن الظاهر أن هذه الآية الكريمة تمثل صورتين عجيبتين من صور قدرة الله - تعالى - على الخلائق، صورة تحدث لكل حي مرة واحدة ولا تتكرر، وهي الموت عند انتهاء الأجل، وصورة تتكرر مع الحياة وتلازمها، وهي النوم في جميع حالاته وأوقاته: فهذا هو مضمون قوله - تعالى -: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا … الآية﴾.
والمعنى: الله يستوفي الأرواح ويسيطر عليها حين موتها وحين نومها، فيمسك التي قضى عليها الموت ويقطع صلتها بالبدن، ويرد النفس الأخرى النائمة التي منعها عن التصرف وقت نومها ولم يحن أجلها - يرد تصرفها إلى بدنها فتحصل اليقظة بسبب ذلك، ويجرى ذلك عليها إلى أجل مسمى هو انتهاء عمرها.
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ أي: إن في ذلك التصرف العجيب، والنمط الغريب الذي يجرى على نفوس الخلائق، ويتكرر في حاليه بينهم، وتحت أبصارهم، وأسماعهم، لآيات بالغات، وشواهد بيِّنات دالات على بليغ قدرة الله - تعالى - ودقة حكمه، القوم يتفكرون في كيفية تعلق النفس بالأبدان، وتوفِّيها عنها تارة بالكلية عند الموت، واستبقائها عند الله بين السعادة والشقاوة، وتوفِّيها تارة أخرى توفيا ظاهرا عند النوم، وإرسالها إلى البدن ليعود إلى نشاطه، حتى يحين أجلها.