نزلت هذه الآية في حاطب بن أَبي بلتعة - وذلك أَنه لَمَّا تجهز رسول الله ﷺ لفتح مكة كتب حاطب إِلي أَهلها أَن رسول الله ﷺ يريدكم فخذوا حذركم، وأَرسله مع امرأة تدعي ساَرة مولاة بني المطلب، فنزل جبريل ﵇ إِلي الرسول بخبر ذلك، فبعث رسول الله ﷺ عليًّا وعمارًا وطلحة والزبير والمقداد وأبا مرثد وقال: انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإِن بها ظعينة معها كتاب حاطب إِلي أَهل مكة فخذوه منها وخلوها فإِن أبتْ فاضربوا عنقها. فأَدركوها ثمة فجحدت فسل على سيفه فأَخرجته من عقاصها - واستحضر رسول الله ﷺ حاطبا وقال له: ما حملك على هذا؟ فقال يا رسول الله ما كفرت مذ أَسلمت ولا غششتك منذ نصحتك، ولكني كنت امرأً ملصقًا في قريش وليس لي فيهم من يحمي أَهلي وأردت أن آخذ عندهم يدًا، وقد علمت أَن كتابي هذا لن يغني عنهم شيئًا. فصدقه رسول الله ﷺ، وقبل عذره فقال عمر ﵁: دعني يا رسول الله أَضرب عنق هذا المنافق، فقال ﷺ: وما يدريك يا عمر؟ لعل الله قد أطلع على أَهل بدر، فقال لهم: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ففاضت عينا عمر ﵁ فنزلت.
وروي أن رسول الله ﷺ أَمن جميع الناس يوم فتح مكة إِلا أَربعة: هذه المرأَة أَحدهم.
والمعنى: يا أَيها الذين شرُفوا بالإِيمان ورفعوا مكانتهم به، وعَزُّوا بأَعماله الصالحة، وسلوكه الطيّب: لا تركنوا إِلي هؤلاءِ الراكسين في الكفر المنغمسين في الرذائل وقبح السلوك أَعدائي وأَعدائكم ولا تطمئنوا إِليهم، وتصافوهم فتتخذوهم أَولياءَ وأَصحابا تصلون إِليهم بالمحبة وتتقربون منهم وتلقون إِليهم أَسرار النبي وأَخبار المؤمنين، وهم قد كفروا بدينكم، وعارضوا دعوة رسولكم وأَنكروا ما نزل عليه من أَخبار الوحي وآيات القرآن، وجاوزوا ذلك إلي الكيد لكم وإيذائكم والإِصرار على إِخراج الرسول وإِخراجكم من وطنكم وإِجلائكم عن بلدكم؛ لأَنكم آمنتم بربكم، واتبعوا هدي نبيكم وتركتم ضلالهم وجهلهم، وقوله تعالى:(إِنْ كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي) مرتب على قوله - تعالى -: (لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء).