بعد أن فرغ ذو القرنين من بناء السد وإحكامه بحيث يمنع يأجوج ومأجوج من الخروج من ورائه ليفسدوا في الأرض، قال مشيرا إلى السد: هذا أَثر رحمة عظيمة من ربي بعباده، حيث أقدرنى على بنائه وإحكامه وحمى به الناس من غزوات أولئك المفسدين المخربين، وما أنا إلا منفذ لمشيئة ربي ورحمته بعباده، ولولا ذلك لما استطعت بناءه، فإذا جاء موعد ربي بخروج يأجوج ومأجوج من محبسهم جعل هذا السد أَرضا دكاء أي مستوية، وكان وعد ربي بخروجهم حقا ثابتا لا خلف فيه، وكذا كل مواعيده جل وعلا، وقد يقول قائل: من أين علم ذو القرنين أَن هذا السّد سيُدَكُّ وينهار، وأن الله وعد بذلك، وأنهم بعد دكه سيخرجون مع أَنه ليس بنبى؟
والجواب: أَنه ربما علم ذلك من نبي كان في وقته، أو يكون ذلك عن اجتهاد، أو قراءة في كتاب نبي سبقه، وفي ذلك يقول الآلوسى: وفي كتاب حزقيال ﵇ الإخبار بمجيئهم في آخر الزمان، من آخر الجربياء في أمم كثيرة لا يحصيهم إلاَّ الله تعالى، وإفسادهم في الأرض، وقصدهم بيت المقدس، وهلاكهم عن آخرهم في بريَّته بأنواع من العذاب، قال الآلوسى: وحزقيال ﵇ قبل الإسكندر، فإذا كان هو ذا القرنين، فيمكن أن يكون وقف عليه، فأفاده علمًا بما ذكر. والله تعالى أعلم: انتهى كلام الآلوسى.
وبعد أن انتهى الحديث عن فتوحات ذى القرنين وإصلاحاته آن الأوان لذكر نبذة عن يأجوج ومأجوج، وعن مكانهم ومكان السد، وهل هو باق حتى الآن، أم أن الله دكه دكًّا، وخرجت يأجوج ومأجوج من ورائه ليفسدوا في الأرض، وإليك البيان فيما يلى:
[ياجوج وماجوج]
هما قبيلتان من البشر، وقد أحيطت قصتهم ببعض الخرافات، لا نرى موضعًا لذكرها في تفسيرنا هذا، ويقول الناسبون: إنهم من ذرية يافث بن نوح ﵇ ولعل منشأ قولهم هذا ما جاء في صدر الإصحاح العاشر من سفر التكوين من أن نوحًا ﵇ ولد له ثلاثة أَولاد، سام وحام ويافث، وأَنه ولد ليافث جوقر ومأجوج وماداى … الخ.