﴿وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾: ولقد اخترناه في الدنيا لرسالتنا من بين الخلق، وإنه في الآخرة لفي عداد الصالحين: المشهود لهم بالثبات على الاستقامة والخير والصلاح، المستحقين للفوز بأكرم الدرجات.
جاءت هذه الآية: تبين ضلال اليهود والنصارى والمشركين، في صدهم عن الإسلام ومحاربة محمد ﷺ فإن الآيات السابقة سيقت لبيان أن إبراهيم الذي يفخر مشركوا العرب بانتسابهم إليه، وتفخر اليهود والنصارى بأنهم من بني إسرائيل الذي هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، إنما كانت شريعته على نمط الإسلام من: التوحيد، والعقائد وأُصول الأحكام.
وهؤلاء وأولئك بصدهم عن الإسلام، ومحاربتهم له قد رغبوا عن ملة إبراهيم إلى الشرك، وادعاء الولدية له تعالى، فاستحقوا أن يقول الله فيهم: إنهم سفهوا أنفسهم، واحتقروها حيث وضعوها في بؤرة الردة عن دينه الحق، إلى الوثنية والشرك، ووصف الله بما لا يليق به، بدل أن يرفعوها إلى قمة الإسلام: دين إبراهيم الذي يدعون انتسابهم إليه، والله هو الذي جمع له كرامتي الدنيا والآخرة، فكان حريًا أن يسيروا على منهاجه.
المراد بالإسلام هنا أتم وجوهه من إخلاص التوحيد لله، وكمال الإنقياد لأوامره واجتناب نواهيه، في كل حال.
﴿قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾: بادر إبراهيم إلى الامتثال، لكمال استقامته التي رفعته عند الله إلى المنزلة العليا، وقال: أسلمت لرب العالمين، ولم يقل: أسلمت لك،