﴿مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ﴾: من شجرة كثيرة الخير. ﴿لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ﴾: أَي أَنها مكشوفة للشمس شرقًا وغربًا، فليست شرقية فحسْبُ، ولا غربية كذلك فتحرم من ضوء الشمس في أَيهما - وسيأْتي بسط الحديث فيها.
﴿وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ﴾: ويبين الله الأَشباه والنظائر لهم.
منذ بدأَت هذه السورة، ونحن نرى فيها نور الهدى والرشاد، فقد رأَينا فيها آيات بينات تحمى الأَعراض، وتصون الأَنساب، وتزجر المعتدين عليها بما فرضته من عقوبات، كما رأَينا آيات كريمة تحث على صيانة الأَلسنة عن قالة السوء في المؤمنين والمؤمنات، وعقوبة القاذفين لهم، وقرأنا فيها آيات الاستئذان على البيوت، وتحريم دخولها دون استئذان، ووجوب غض الأبصار عما يحرم النظر إليه من النساء والرجال، إلى غير ذلك من الأَحكام والآداب ومكارم الأَخلاق.
وقد جاءَت هذه الآية لتقرر أَن هذه الأَحكام وأَمثالها: هي من نور الله وهدايته لعباده المؤمنين، فإِنها كمشكاة فيها مصباح عظيم الضياء، فهى تضئُ قلوب المتقين، وتكشف الظلام عنها، كما يكشف الكوكب الدرى الظلام بنوره.
كما جاءَت لتبين أَنه - تعالى - يهدى لنوره من يشاءُ، ويضرب الله الأمثال للناس تقريرا لأَحكامه وتنويرًا لهم، لعلهم يتذكرون.
والنور في الأَصل: كيفية يدركها البصر، ويدرك بسببها الْمبْصَرَاتِ، مثل الكيفية التي تنبعث من الشمس والقمر على الأَجرام الكثيفة المقابلة لهما، أَو من المصباح على ما حوله، والنور بهذا المعنى لا يصح إطلاقه على الله تعالى؛ لأَن النور مدرك بالأَبصار، والله تعالى يقول: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ﴾ وبالجملة فالله تعالى منزه عن الجسمية والكيفية ولوازمهما، ولعدم صحة إطلاق النور بمعناه اللغوي المذكور على الله تعالى، اختلف العلماءُ