الآيات استئناف مسوق لبيان استحالة تنزل الشياطين على رسول الله ﷺ بعد بيان امتناع نزولهم بالقرآن فيما سبق، وللرد على قول المشركين الذين قالوا: إن ما جاءَ به محمَّد ليس حقًّا، وإِنه شيء افتعله من تلقاءِ نفسه أو أتاه به رئيٌّ، أَي: تابع من الجن. تنزيهًا من الله ﷾ لجناب رسوله عما قالوه كذبًا وافتراءً، وتنبيهًا على أَن الذي جاءَ به هو من عند الله نزل به ملك كريم ولم تأت به الشياطين، فإنهم لا رغبة لهم في مثله، ولا ينزلون إلاَّ على من يشابههم ويشاكلهم، كما قال تعالى: ﴿هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (٢٢١) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ﴾: أَي هل أُخبركم على مَنْ تتنزل الشياطين، تتنزل على كل من اتصف بالكذب الكثير والذنب العظيم من الكهنة والمتنبئة وما جرى مجراهم من الفسقة والفجرة أَمثال: سطيح، وطليحة، وميسلمة، فلا تنزل الشياطين إلاَّ على مثلهم فلا يتجاوزهم، ولا ينفك عنهم إلى غيرهم من الصالحين وبخاصة الأنبياء، وحيث تنزهت ساحته ﷺ عن نزولهم اتضح أَن الذى نزل بالقرآن عليه ملائكة الله المقربون.
﴿يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ﴾: أَي يلقى الأَفاكون سمعهم إلى الشياطين، ويتلقون وحيهم إِليهم، وإِلقاء السمع مجاز عن شدة الاهتمام والمبالغة في الِإصغاء إلى ما يلقى إليهم … إلخ.
أو المراد: يلقى الأَفاكون ما سمعوه من الشياطين إلى أَتباعهم وأَوليائهم.
وأَكثر الأَفاكون مفترون كاذبون، يفترون على الشياطين ما لم يخبروهم به، على معنى أَنهم قلَّما يصدقون فيما يحكونه عن الجنيّ، وإِنما هم في أَكثره كاذبون، فقد جاءَ في الحديث