وقوله تعالى: ﴿إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾: تنزيه لله - تعالى - أن يرسل الكاذبين، أو ينبئ الساحرين، أو يفلح عنده الظالمون فيفوزون بمطلوب، أو ينجون من محذور.
بعد أن جمع فرعون السحرة وتصدى للمعارضة، وكذب موسى وسمع إجماع قومه على التكذيب قال في تيه وشموخ مخاطبًا أشراف قومه: يأيها الملأ ما علمت لكم من إله غيرى مما يدعيه موسى ويدعو إليه، نفي علمه بإله غيره دون أن ينفى وجود الإله، حيث لم يقل: ليس لكم إله غيرى، يريد بذلك: أنه لو كان لهم إله غيره لعلمه، وهو بذلك يحاول أن يخلع على نفسه خلق الإنصاف في الحكم، ولهذا رتب عليه قوله: ﴿فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ﴾ والواقع أنه كاذب؛ فإن ألوهية الله - تعالى - لعباده لا يمكن أن تخفى على مثله، وهذا ما يشهد به قوله تعالى حكايته عن موسى ﵇: ﴿لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ﴾.
ومعنى: ﴿فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ﴾: أشعل النار على الطين شديدة قوية ليتحول إلى آجُر، فيكون أقوى في البناء، فإذا استحال الطين آجُرا فابْنِ قصرا عاليا، وبناء شامخا