أَمر الله تعالى قبل هذه الآية بقتال المشركين الذين أَخرجوهم من ديارهم وأَلا يتخذوا منهم بطانة، وفي هذه الآية يبين الله تعالى أَن هؤلاءِ المشركين ليسوا أَهلا لعمارة المسجد الحرام ولا للإِقامة حوله، وإِنما أَهل ذلك هم المؤمنون الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويخشون الله تعالى فلذا ينبغي أَن يبعدوا المشركين عن جوار البيت وشرف عمارته، بقتالهم ما لم يهتدوا إِلى دين ربهم.
والمعنى: ما صح ولا استقام في دين الله وشرعه أَن يتولى المشركون عمارة الأَماكن المعدة لعبادة الله المبنية على اسمه وحده لا شريك له، فضلًا عن عمارتهم المسجد الحرام الذي هو أَشرفها وأَعزها، إِذ كيف تستقيم عمارتهم له وهم معترفون بكفرهم شاهدون به على أَنفسهم، بما قَدَّسُوه من أَوثان، وما قدموه لها من قربان، وإِن زعموا أَنهم بذلك غير كافرين.
أُولئك الذين يفخرون بعمارة المسجد الحرام والقيام على خدمته، بطلت أَعمالهم البارَّة جميعًا فصارت هباءً منثورًا، لاقترانها بالشرك وكبائر الذنوب، فلا هم عليها يثابون بل هم في النار خالدون.
روى أَن المهاجرين والأَنصار أَقبلوا على أَسارى "بدر" يعيرونهم بالشرك، وطفق على ﵁ يوبِّخ عمه العباس بقتال النبي ﷺ وقطيعة الرحم، وأَغلظ له في القول، فقال العباس: تذكرون مساوينا وتكتمون محاسننا، فقال: ولكم محاسن؟ قالوا نعم: إِنا لنعمر المسجد الحرام ونحجب الكعبة، ونسقى الحجيج ونفك العانى (١) فنزلت هذه الآية وما بعدها ردًّا عليهم.