بعد أن سجلت الآية السابقة عليهم قصور علمهم بالحياة الدنيا، حيث لم يتجاوزوا ظاهرها، جاءت هذه الآية لتوبخهم على عدم تفكُّرهم بعمق في مصير هذه الدنيا.
والمعنى: أَغَفَلَ هؤلا الكافرون ولم يتفكررا في أعماق أنفسهم، حتى يعلموا أن الله - تعالى - لم يخلق السموات والأرض وما بينهما إلا للحق من الثواب والعقاب للمكلفين فيها على حسب أعمالهم، أو إلاَّ بالعدل، فلا يستوى عنده دمشق ومبطل، ولا محسن ومسئ، وخلقهما وما بينهما لأجل مسمى تنتهي إليه، وهو يوم القيامة: ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ وإن كثيرا من الناس بلقاء جزاء ربهم في الآخرة لجاحدون؛ لأنهم لا يدركون من الحياة الدنيا إلا ظاهرها، ولا يتعمقون في التفكر فيها، فلذلك حسبوا أن الدنيا نهاية كل حي، وأن الله لا يبعث من في القبور.
الهمزة في قوله: ﴿أَوَلَمْ يَسِيرُوا﴾ إما أن تكون لتقرير عدم سيرهم وتوبيخهم على ذلك - إن كانوا من القاعدين الذين لم يسيروا في الأرض ويعتبروا بالهالكين - فيكون التقدير: أقعدوا ولم يسيروا في الأرض فينظروا، وكان عليهم أن يسيروا بين آثار الهالكين ليتعظوا، وإما أن تكون لنفى قعودهم وتوبيخهم على عدم انتفاعهم بسيرهم بين آثارهم - إن كانوا ممن ساروا في خرائبهم - وكأنه قيل: أقَعَدُوا ولم يسيروا في خرائب الكافرين فينظروا ويعتبروا؟ كلَّا، بل ساروا ولكنهم لم يتعظوا ولم يعتبروا.
والمعنى الإجمالي للآية: أقَعَدَ هؤلاء الكفار ولم يسيروا في أرض الهالكين السابقين ويشاهدوا كيف كانت عاقبة أولئك المشركين المنكرين للبعث قبلهم، كانوا أقدر منهم على